28 مارس 2024 14:11 18 رمضان 1445
بوابة الكلمة رئيس التحرير محمد خضر
المحارب

جماعة الدم الحلقة ( ١٠ )

عبدالناصر محمد يكتب : العلمانية.. مصطلح يستخدمه أباطرة الدم للتخلص من خصومهم

بوابة الكلمة

حين خطا الدكتور فرج على فودة الحاصل على الدكتوراه في الاقتصاد الزراعي الخطوة الأولى نحو عالم الفكر والكتابة
في أوائل الثمانينات وجه انتقادات لاذعة لجماعة الإخوان واتهمها بترسيخ مبدأ القمع والعنف في المجتمع ، وأن تنظيمها السرى إرتكب جرائم متعددة راح ضحيتها العديد من المدنيين المصريين من بينهم عناصر شديدة الوطنية.
منذ تلك اللحظة أصبح " فودة " تحت الميكروسكوب الدموي الإخوانى ليس ذلك فحسب بل وجميع التنظيمات الإرهابية وإزداد حنق هذه الجماعات عليه حين ألف عدة كتب كان أبرزها كتاب " الحقيقة الغائبة " والذى كان ردا على كتاب " الفريضة الغائبة " والذى ألفه محمد عبدالسلام فرج أمير جماعة الجهاد الذى تم إعدامه على أثر اغتيال الرئيس أنور السادات حيث هاجم فودة في كتابه تلك الأفكار الدموية المسمومة التي تروجها هذه الجماعات.
وبدأت هذه التنظيمات المتشددة تردد أن المفكر الليبرالي د. فرج فودة مرتد وملحد لأنه يطالب بفصل الدين عن السياسة وهو ما يعرف باسم " العلمانية " ذلك المصطلح الذى لازال يراه هؤلاء الجهلاء لفظ سيء السمعة ومرادفه في قاموسهم الدموي الكفر والإلحاد والردة.
*العلمانية
المقصود بالعلمانية باختصار شديد عدم تدخل الدين في شئون السياسة فالدين ثابت أما السياسة متغيرة والدين منزه وبرئ من اختيار ما ترونه مناسبا في الانتخابات مثلا وهو أرقى وأنقى من الزج به في مثل هذه الصراعات وليس له علاقة بأن تقول نعم أو لا في الاستفتاء على تعديل الدستور مثلا فالأمر يخضع لقناعات ذاتية متباينة من شخص لآخر.
*ردة سياسية
في عام ١٩٨٤ تقدم فرج فودة باستقالته من حزب الوفد الجديد اعتراضا على تحالف الحزب مع جماعة الإخوان لخوض الانتخابات البرلمانية معا في قائمة مشتركة ووصف فودة ذلك بأنه " ردة سياسية " واتجه لينشأ حزبا جديدا أطلق عليه اسم حزب المستقبل ولكن طلبه قوبل بالرفض مرتين من لجنة شئون الأحزاب بمجلس الشورى.
واصل فودة هجومه على المفاهيم المغلوطة التي قامت الجماعات والتنظيمات المتشددة بترسيخها في أذهان الناس وبخاصة الشباب محاولا تنوير عقولهم وهو الأمر الذى بات يهدد عرش أباطرة الإخوان.
داخل أروقة الإخوان عقدت الاجتماعات وحذر أقطابهم من سلاح التنوير الذى يستخدمه فودة ضد أفكارهم القائمة على السمع والطاعة بدون إعمال العقل وضرورة مواجهة هذا السلاح الذى يهدد بنسف عقائدهم الفاسدة ولذلك أصدر مفتى الدم الشيخ عمر عبدالرحمن عام ١٩٨٦ _ الذى سبق وأن أباح دم الرئيس السادات _ فتوى باعتبار الدكتور فرج فودة مرتد ويجب إقامة الحد عليه وقتله في أقرب فرصة.
*تأجيل الإعدام
بعد صدور فتوى الإعدام ضد المفكر فرج فودة درست الجماعة الأمر وانتهى الرأي إلى تأجيل تنفيذ الاغتيال حتى لا تخسر التنظيمات المتشددة المكاسب السياسية التي تحققت في هذه الحقبة.
وفى عام ١٩٨٧ وبعد حل البرلمان قرر فودة خوض الانتخابات البرلمانية مستقلا عن دائرة شبرا وكان شعاره في هذه الانتخابات " يد بيد نبنى الغد ".
وهذه الانتخابات كانت بمثابة فرصة للإخوان لمحاولة النيل من فودة حيث أطلقوا العديد من الشائعات حوله وشن أحد أقطابهم وهو صلاح أبو إسماعيل حملة مسعورة ضده ورددوا أنه كافر وأنه دعا في كتابه " قبل السقوط " إلى إباحة الزنا وروج أن ابنة فودة متزوجة من السفير الإسرائيلي بالقاهرة.
وعلق فودة على ذلك قائلا أن الإخوان يرهبون كل من يعترض على سياستهم ويسممون عقول الناس بأفكارهم الشاذة.
انتهت الجولة الانتخابية وحصل فودة على ٢٣٩٦ صوتا وهو عدد غير كاف من الأصوات للنجاح وقد وصف فودة العملية الانتخابية بعدم النزاهة واتهم القائمين عليها بتعمد إسقاطه.
وقد شهدت الفترة التي أعقبت الانتخابات عمليات عنف متعددة نفذتها التنظيمات الإخوانية منها محاولات اغتيال حسن أبو باشا وزير الداخلية والنبوي إسماعيل وزير الداخلية الأسبق والكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد فضلا عن قتل الأقباط وتدمير محلات الفيديو وبيع الخمور وحرق بعض دور السينما وصيدليات الأقباط في سوهاج.
وفى عام ١٩٨٨ سيطرت الجماعات المتشددة على منطقتي إمبابة وعين شمس ومارست إرهابا ضد أقباطها وتزايدت أعمال الفتنة الطائفية خاصة في الصعيد.
وعلى أثر هذه العمليات الإجرامية ألف الكاتب الليبرالي كتابا أسماه " الإرهاب " أكد فيه أن النجاحات الأمنية ضد جماعة الإخوان والتنظيمات المسلحة وجميع التيارات المتشددة في فترات مختلفة كانت تتم دائما لفترة محدودة ولم تستطع اجتثاث المشكلة من جذورها. * ما أشبه الليلة بالبارحة * هذا ما يحدث بالفعل حاليا منذ ثورة ٣٠ يونيو العظيمة.
عام الاغتيال
ظل المفكر د.فرج على فودة هدفا للإخوان واستمر الهجوم على حياته الشخصية ولم تكف العناصر المتشددة عن توجيه الاتهامات المختلفة له ولأسرته وتم تجنيد جريدة النور لسان حال هذه الجماعات لتكون منصة يطلقون من خلالها سهامهم الموجهة ضد الرجل وقد إتهمته الجريدة بازدراء الدين الإسلامي والتطاول على زوجات النبي عليه الصلاة والسلام وعلى الصحابة مع اتهامه مجددا بإباحة الزنا.
ومع بداية عام الاغتيال ( ١٩٩٢ ) أقيمت مناظرتان شهيرتان تحت عنوان واحد " مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية " وكان طرفهما الأول الكاتب والمفكر د. فرج فودة.
وكانت المناظرة الأولى بمعرض القاهرة الدولي للكتاب يوم ٧ يناير وحضرها نحو عشرون ألفا معظمهم من العناصر التابعة لجماعة الإخوان وضم الطرف الثان المؤيد للدولة الدينية الشيخ محمد الغزالى ومأمون الهضيبى المرشد العام للإخوان والدكتور محمد عمارة أما المناظرة الثانية فقد ضمت الدكتور محمد عمارة أيضا والكاتب محمد سليم العوا وذلك يوم ٢٧ يناير بنقابة المهندسين بالإسكندرية وحضرها نحو ٤ آلاف معظمهم من جماعة الإخوان أيضا وقد استطاع فودة الذى كان ندا قويا في كلا المناظرتين إقناع شريحة كبيرة بأنه على صواب بفكره المستنير.
*فريق الإعدام
عقب المناظرتين شعر أباطرة التنظيمات الدموية أن خطر فودة أصبح داهما وأنه سوف يسحب البساط الفكري من تحت أقدامهم ولذلك قرروا وضع خطة تنفيذ الاغتيال.
كانت البداية اختيار فريق الإعدام وقد شارك في انتقاء تلك العناصر صفوت عبدالغنى أحد القيادات الجهادية وأحد رموز الجماعة التي تطلق على نفسها اسم " الجماعة الإسلامية " وذلك رغم أنه كان محبوسا في هذه الأثناء على أثر قضية اغتيال الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب الأسبق أمام فندق سميراميس بالتحرير في صباح الجمعة ١٢ أكتوبر ١٩٩٠ والتي لا يزال فاعلها الحقيقي مجهولا وقد تفرق دمه بين تلك الجماعات المشبوهة وبين نظام مبارك.
أوصى عبدالغنى بضرورة تكليف عنصر نشط بالجماعة على تنفيذ المهمة وهو عبدالشافى رمضان وضم هذا الفريق الدموي كلا من أشرف سعيد إبراهيم والمكلف بقيادة دراجة بخارية عند تنفيذ العملية بالإضافة إلى على حسن لرصد تحركات الضحية وأبوالعلا عبدربه لتوفير رشاش آلي وذخيرة والغريب أن أعضاء فريق الإعدام هذا أنهم لم يقرأوا حرفا واحدا مما كتبه فودة .. فهم آلات صماء يتحكم فيها أباطرة الدم .
*تمهيد الإغتيال
قامت جريدة النور بالتمهيد للاغتيال حيث نشرت يوم ٣ يونيو – شهر الاغتيال – تحقيقا لتشويه صورة فودة حيث زعمت أنه يعرض أفلاما إباحية ويدير حفلات للجنس الجماعي وذلك في جمعية تضامن المرأة العربية كما نشرت بيانا أصدرته ندوة علماء الأزهر التي يسيطر عليها عناصر إخوانية بتكفير الكاتب فرج فودة.
*الجريمة البشعة
تم إعداد الخطة بعد رصد تحركات فودة وصدرت أوامر التنفيذ وتحدد يوم ٨ يونيو ١٩٩٢ لإغتياله قبل أيام من عيد الأضحى لتكون حسرة أهله على فراقه أشد وطأة _ كما قال عناصر الدم والارهاب _ وتم اختيار مكان تنفيذ العملية الإرهابية وهو أمام الجمعية المصرية للتنوير والتي أسسها فودة بشارع أسماء فهمى بمدينة نصر.
عقارب الساعة تشير نحو السادسة والنصف مساء ذلك اليوم المشئوم أنهى فودة عمله بالجمعية وكان بصحبته نجله أحمد وأحد أصدقاء نجله وقرر الانصراف إلى المنزل ولا يدرى ماذا يخبئ له القدر؟!.
نزل فودة ومعه نجله وصديقه من الجمعية متجها نحو سيارته في المقابل تقف دراجة نارية يقودها أشرف سعيد إبراهيم وخلفه عبدالشافى رمضان ممسكا بالرشاش الآلي وما أن رأوا فودة فانطلقا نحوه وفتح عبدالشافى النار نحو فودة فأصابه بإصابات قاتلة حيث اخترقت رصاصات رشاشه الكبد والأمعاء فيما أصيب نجله وصديقه بإصابات طفيفة وانطلق الجناة هاربين غير أن سائق فودة انطلق خلف الدراجة وأسقطها وسقط معها القاتل عبدالشافى وارتطمت رأسه بالأرض وفقد وعيه فيما تمكن زميله من الهرب.
وقال فودة الذى لم يكن قد فارق الحياة بعد ولكنه كان يحتضر وقبل نقله إلى المستشفى " يعلم الله أنني ما فعلت شيئا إلا من أجل وطني " ودخل بعدها فودة في غيبوبة وفى المستشفى حاول الدكتور حمدي السيد نقيب الأطباء آنذاك إنقاذه في عملية جراحية دقيقة استمرت لمدة ٦ ساعات لفظ فودة بعدها أنفاسه الأخيرة لينضم إلى قائمة الذين سقطوا ضحايا على أيدى قراصنة الدم.
ورغم محاولات تبرئة الجناة والاستناد إلى أقوال الشيخ محمد الغزالى والدكتور محمود مزروعة رئيس قسم العقائد والأديان بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر بأن فودة كافر إلا أنه صدر حكم بإعدام عبدالشافى رمضان فيما ضبط أشرف سعيد على أثر محاولة اغتيال صفوت الشريف وزير الإعلام آنذاك وتم شنقه وحكم بالأشغال الشاقة المؤبدة على أبو العلا عبدربه والذى خرج بعفو رئاسي عام ٢٠١٣ على يد المخلوع مرسى ولكن بعد ثورة ٣٠ يونيو المجيدة هرب إلى سوريا وانضم لجبهة النصرة وقتل هناك.
*شماتة الموت
عقب تنفيذ جريمة اغتيال الكاتب والمفكر الدكتور فرج فودة لم يخف أباطرة الدم سعادتهم بل راحوا يشمتون في مصرعه بهذه الطريقة البشعة وأعلن مأمون الهضيبى المرشد العام للإخوان والمتحدث الرسمي باسم الجماعة عن ترحيبه لقتل فودة وذلك في تصريحات أدلى بها بجريدة الأخبار بعد أسبوعين من الاغتيال الآثم فضلا تصريحات أخرى تؤكد شماتته لمصرع فودة أدلى بها لإذاعة صوت الكويت.

عبدالناصر محمد يكتب العلمانية.. مصطلح ي ستخدمه أباطرة الدم للتخلص من خصومهم