”القيم المشتركة للأديان نحو ميثاق إنساني” ندوة بالمركز الثقافي القبطي


استضاف المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، اليوم الأحد، ندوة بعنوان: "القيم المشتركة للأديان.. نحو ميثاق إنساني"، بحضور نخبة من العلماء والمثقفين ورجال الدين، يتقدمهم الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، والأنبا إرميا، الأسقف العام ورئيس المركز، وأدارها الكاتب هاني لبيب رئيس تحرير موقع مبتدا.
بدأت الفعالية بعزف السلام الجمهوري، ثم انطلقت أعمال الصالون بكلمات المشاركين التي ركزت على أهمية الحوار بين أتباع الأديان، وتعزيز القيم الإنسانية المشتركة، ونبذ الفتن والخلافات، باعتبار أن الأديان جاءت لترسيخ مبادئ العدل والسلام والرحمة بين البشر.
في البداية، أكد الكاتب هاني لبيب، رئيس تحرير موقع مبتدا، أن "لا دين دون إنسانية"، مشددًا على أن الحوار ضرورة للوصول إلى مساحات مشتركة من القيم، وأن التماسك بين المصريين ضرورة لمواجهة التحديات، محذرًا من أن شرارة الفتنة خطيرة ومسؤولية إطفائها مشتركة بين الجميع كل في مكانه "أعضاء البرلمان والمثقفين وكل فرد".
وأضاف لبيب أن احترام الآخر ضرورة لا غنى عنها في مجتمعاتنا.
من جانبه قال الأنبا إرميا، إن موضوع الندوة "يهم العالم أجمع"، وقدّم في كلمته سيرة ذاتية للدكتور سلامة داود، موضحًا نشأته وتكوينه العلمي، وتعيينه في جامعة الأزهر، وعمله سابقًا في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، فضلًا عن رئاسته عددًا من اللجان العلمية، أبرزها لجنة إعداد الخطط الدراسية لقسم البلاغة لطلاب الدراسات العليا، بالإضافة إلى إشرافه على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه، ومشاركته في مؤتمرات دولية، ونشره لعشرات البحوث العلمية.
وأضاف الأنبا إرميا: "في عام 2019، افتتح السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، مسجد الفتاح العليم وكاتدرائية ميلاد المسيح، في رسالة قوية عن الوحدة والتعايش"، مشددًا على أن "المفاهيم الدينية السامية لها أثر مباشر على سلوك المجتمع".
وأكد على وجوب تصحيح الأفكار المغلوطة، والتعريف بالقيم المشتركة، قائلًا: "الله هو واهب الحياة، وهو الذي منح الإنسان حق الحرية"، مؤكدًا أن حرية الشخص تنتهي عند حدود حرية الآخرين، مشيرا لما ورد في القرآن الكريم: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل: 90].
وأوضح أن "كل الديانات أعطت الإنسان حق العدالة، لأن العدل من صفات الله المطلقة، والظلم مرفوض في كل دين وكل أمة".
وبيّن أن الإنسان مخلوق مكرم، له الحق في أن يُحترم، قائلًا: "علينا أن نقدم نموذجًا حقيقيًا يعكس هذه القيم، وأن نستمع إلى بعضنا البعض بروح واحدة".
وأضاف: "كما نذهب إلى الأزهر ونلتقي علمائه وطلابه، كان واجبًا علينا أن ندعو الدكتور سلامة داود إلى هذا الصالون، لنستفيد من علمه وفكره".
وفي كلمته، قال الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر: "أعتز بدعوة الأنبا إرميا، وأعتبره من كبار العلماء، وقد تشرفت بزيارته للأزهر، وأشكره على هذه المبادرة الكريمة".
وأكد أن "العالم اليوم يعاني من أصوات الفرقة، ولم تعد تُسمع إلا أصوات السلاح، فإذا سكت صوت السلام انطلقت أصوات الحروب"، مشيرًا إلى أن رقعة العالم ملوثة بأشلاء الدماء، وأن المآسي التي نشهدها لم يعرف التاريخ لها مثيلًا.
وأضاف أن الحوار بين الأديان من أبرز اهتمامات فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، وأن من أبرز تجلياته توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية مع البابا فرنسيس.
وتحدّث عن تجربة "بيت العائلة المصرية"، مؤكّدًا أنها نموذج يُحتذى، وينبغي أن يُنقل إلى الدول التي تعاني من صراعات دينية وطائفية، وقال: "مصر كلها عائلة واحدة ونسيج واحد، والشيخ الأزهري يقف إلى جوار القسيس".
وأوضح أن القيم النبيلة محمودة في كل زمان، ومرفوضة هي القيم الذميمة في كل أمة، وقال: "لم يأت على الناس زمان يُذكر فيه إبليس فيقال: رضي الله عنه!"، كما قيل.
وأشار إلى قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13]، مؤكدًا أن العدل قيمة محورية، وقد اختار الله لنفسه اسمًا من أسمائه الحسنى: "العدل"، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الظلم ظلمات يوم القيامة" [رواه البخاري].
وأضاف: "إذا ساد العدل عاش الناس في النور، وإذا عمّ الظلم عمّت الظلمات".
وتحدّث عن السلام باعتباره مبدأ مشتركًا بين جميع الأديان، وقال: "السلام العالمي هو أن يعمّ السلام العالم، وألّا نرى الحروب والدمار"، مشيرًا إلى أن الكلمة قد تُشعل حربًا، وقد تُشيع سلامًا، وأن العدوان على إنسان واحد عدوان على البشرية كلها، مستشهدًا بقوله تعالى: {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ... فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا... فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32].
وأشار إلى خطبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بعد تولّيه الخلافة، والتي قال فيها: "الضعيف فيكم قويّ عندي حتى آخذ له حقه، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه"، مؤكدًا أن رعاية الضعفاء أساس الاستقرار في الأمة.
وتساءل: "كيف نرجو أن يعمّ السلام، وهناك شعب يُظلم كل يوم؟"، في إشارة إلى معاناة الشعب الفلسطيني، مشددًا على أن القدس عاشت 13 قرنًا في سلام تحت حكم المسلمين، وأن المساجد والكنائس والمعابد تجاورت في ظل هذا السلام.
وأوضح أن القرآن أمر بالمحافظة على دور العبادة كلها، مستشهدًا بقوله تعالى:{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} [الحج: 40].
وعلّق على حوادث حرق المصحف في أوروبا، قائلًا: "ما قام به البعض في الغرب من حرق للمصحف الشريف فعل مشين، يستفز مشاعر نحو ملياري مسلم، ويتنافى مع القيم الإنسانية والدينية".
وأكد على أهمية التربية والتعليم في بناء الأجيال، مشيرًا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اليد العليا خير من اليد السفلى" [رواه البخاري]، موضحًا أن "اليد العليا" تعني في هذا العصر يد العلم والمعرفة والإنتاج والصناعة.
وقال أن طالب الأزهر منفتح على الجميع وهو سفير للتسامح والمحبة اينما كانت دولته وأن الأزهر يشارك مع الكنيسة بقوة في تعزيز دور بيت العائلة المصرية والذي يرعاه فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف وقداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية.
واختتم كلمته بالتأكيد على أن مصر مليئة بالخير، مشيرًا إلى الربط العجيب في القرآن بين سيناء والزيتون، لافتًا إلى أن العلماء أثبتوا أن زيتون سيناء من أجود الأنواع، وأن ذلك من أسرار البركة في أرض مصر.