7 أكتوبر 2024 15:07 3 ربيع آخر 1446
بوابة الكلمة رئيس التحرير محمد خضر
مقالات

رءوف الكدواني يكتب: فن الإدارة في الحكومة

بوابة الكلمة

لو أن القطاع الحكومي تشابه في أهدافه مع القطاع الخاص لكان هناك تشابه في أساليب الإدارة لكل منهما. فالقطاع الخاص يسعى الى تحقيق الربح والكفاءة والجودة لصالح ما يقدمه من سلع وخدمات. أما الحكومة فهى أداة في أيدي الدولة هدفها الرئيسي تقديم المنفعة لكافة فئات المجتمع والحرص على المصلحة العامة للوطن ومن ثم فالجميع أي رئيس الوزراء والوزراء والشعب يعمل لصالح الجميع.

إن إدارة الحكومة للدولة أكثر تعقيداً من إدارة الشركات، حيث تتشابك الأهداف والطرق والأساليب و الإهتمامات والمصالح. وعندما تتولى الحكومة إدارة الدولة ليس من المألوف أن يستعرض الوزراء على المواطنين خطة تشمل الأهداف والإستراتيجيات والتحديات والدعم المطلوب كما هو الحال في الشركات. لكن من الممكن أن يستعرض الوزراء خطة طريق خمسية على مجلس الشعب وفي المقابل ممكن أن يكون لدى الحزب المعارض خطة موازية تتيح للمجلس المقارنة والمناقشة لخلق بيئة تنافسية بين كلاهما لصالح الموطنين وهو ما يطبق بالفعل في المملكة المتحدة. ومن المتعارف عليه أن تقوم الدول النامية بإعداد هذه الخطط التي تمكنها من اللحاق بمصاف الدول المتقدمة. ذلك لأن الدول المتقدمة تهتم إهتماما كاملاً بالتطوير الإداري الذي يتدرج في تطبيقه بالقدر الذي تهتم هى بالتطبيقات العلمية كما تأخذ بمفاهيم الكفاءة والبعد عن الإعتبارات الشخصية.

ومن ناحية أخرى تسعى الحكومة لإنشاء شراكة مع القطاع الخاص والذي يقوم بدور محوري في التنمية بينما توفر له المناخ المناسب لزيادة نشاطه وإنتاجه. ويعني ذلك أن الحكومة لا تتولى القيام بإدارة جميع الأنشطة الإقتصادية. فمثلاً اعتادت الحكومات فيما مضى أن تقوم بإدارة قطاع الإتصالات ، ولكن مع إندلاع التقدم التكنولوجي الهائل والإتجاه العالمي نحو العولمة والتكنولوجيا المتقدمة في عالم الإتصالات ، سعت الدول إلى إقتناء أحدث التقنيات في عالم الإتصالات مما تطلب تواجد إدارات متخصصة بعيداً عن الأنظمة التقليدية والبيروقراطية وهو ما تطلب إسناد الملكية والإدارة للقطاع الخاص وإكتفاء الحكومة بالرقابة والمتابعة. وربما نتطرق بذلك إلى السؤال الأساسي وهو "ما هى القطاعات التي ينبغي على الدولة أن تقوم بإدارتها دوناً عن غيرها؟"

ويرى أحد علماء الأقتصاد "هارت٢٠٠٤" أنه ينبغي أن تقتصر مسئوليات الحكومة على المهام والأنشطة التي لا يستطيع الفرد أو المنشآت القيام بها. أما "كورس"٢٠٠٦" أحد أساتذة الإدارة فيرى أن أساس مسئولية الحكومة هو توفير نظام سياسي ديمقراطي يوفر مناخ جيد للعمل والإنتاج ويهتم بجودة المعيشة من خلال حماية حقوق الإنسان وتطبيق العدالة الناجزة والحد من التدخل في حياة الفرد الإقتصادية والإجتماعية. ويرى "مونتييرو٢٠٠٢" من علماء الإدارة أن الوظائف الكلاسيكية المعتادة التي يجب أن تقوم بها الحكومة تتمثل في قطاعات الصحة والتعليم والصناعة والقطاع الإقتصادي والمالي والثقافي.

وتتضح فنون الإدارة في القطاع الصحي حيث إنه نظام متعدد المهارات والخبرات وهو فن وعلم متغير ومتطور. فبينما هو علم من حيث الإعتماد على التقنيات العلمية الحديثة في إتخاذ القرارات إلا أنه فن أيضاً من حيث التعامل مع العنصر البشري ويشمل الإتصال والتوجيه والقيادة وتحفيز الأفراد. إن القطاع الصحي يشمل التواصل الجيد والتشجيع والتقدير وإنتهاج إستراتيجية العمل كفريق وزيادة الإستقلالية والمسئولية والإلتزام والإخلاص للمؤسسات الصحية وإتباع الأداء المناسب.

ويعتبر قطاع التعليم من أهم القطاعات التي تحتاج إلى فنون إدارية حيث يحتاج إلى التعامل البشري بكفاءة عالية. ولذلك يجب أن يحتل التعليم مركزا هاما بين القطاعات الأخرى لأنه ينقل الدول النامية إلى مصاف الدول المتقدمة. ولدينا مثال تطبيقي عن فنلندا . فعقب الحرب العالمية الثانية انهارت فنلندا اقتصاديا وسياسياً واجتماعياً، إلا أنها وجهت كل اهتمامها وقدراتها نحو العلم والتعليم وجعلت تطويره أولوية وطنية من خلال حسن إختيار المعلمين وتحسين أوضاعهم وتأهيلهم فجعلت شهادة الماچستير شرطا للإلتحاق بالتعليم منذ البداية. كما تبنت فنلندا فكرة توجيه الوعي التعليمي نحو الإنتاج والصناعة والتصدير ومن ثم أصبحت فنلندا دولة مستقرة ومتقدمة.

أما بالنسبة للقطاع الإقتصادي فهو يحتاج فن الإدارة حيث يحتاج إلى العنصر البشري لرسم استراتيجيات النمو الاقتصادي. ويري أحد علماء الإقتصاد "هارت ٢٠٠٤"أن الدولة مسئولة عن حسن توزيع الثروات على أطياف الشعب وتسهيل العلاقات بينهم والتأكد من عدم هيمنة إحدى هذه الأطياف على أطياف أخرى. وجدير بالذكر أنه مع كل تطور علمي ينتجه العقل البشري يتطور القطاع الإقتصادي ومع هذا التطور المستجد يتخذ الإقتصاد شكلا جديداً. فقد تطور شكل الإقتصاد بدخول مفهوم العولمة وإنفتاح شعوب العالم على بعضها البعض اقتصاديا وثقافياً واجتماعياً وانتصر إقتصاد السوق الحر أمام إنهيار السوق الموجه. ودخل الإقتصاد الليبرالي مرحلة الذكاء الاصطناعي ليتحول الإنتاج من إنتاج بشري إلى إنتاج آلي. وهكذا أصبح على عاتق الحكومة الجديدة أن تصل إلى مراحل التقنية الحديثة وهو ما يتطلب فن تأهيل البنية التحتية والقوى البشرية وتشجيع الإستثمارات والإهتمام المتزايد بالقطاع الخاص.

ايضاً يتداخل القطاع الصناعي مع القطاع الإقتصادي وتتبنى الحكومة فن إدارة هذا القطاع بحيث يكون القاطرة الرئيسية في قيادة النمو الاقتصادي من خلال إستقدام التكنولوچيا الحديثة، وفتح مزيد من الأسواق أمام الصناعات الوطنية وتوفير الدعم والمساندة لإحتياجات المصانع المختلفة ومساندتها من خلال تذليل عقبات التصدير والعمل على ضمان الإنسجام والتناغم بين مختلف السياسات الحكومية لما فيه خدمة القطاع الصناعي وحماية المنتجات الوطنية من سياسات الإغراق.

أما بالنسبة للقطاع المالي ، فإن التطوير المنتظر يجب أن يحاكي التقدم التكنولوچي المعاصر في الدول المتقدمة بهدف تحقيق التنمية المستدامة بحيث يتم تطوير منظومة الدفع والتحصيل الإلكتروني ونظام إدارة المعلومات المالية الحكومية وغيرها من الأنشطة الرقمية. وفي نفس الوقت فمن فنون الإدارة أن تتولى الحكومة مسئولية تمكين المؤسسات المالية من دعم القطاع الخاص من خلال تقديم خدمات مالية متنوعة وتطوير قطاع التأمين وتحفيز الشركات على الإندماج بهدف تعزيز ملاءتها المالية ، وتطوير سوق المال وتعميقه من خلال العمل على زيادة السيولة في سوق الأسهم والسندات وتنويع أدوات التمويل وأدوات الدين.

وأخيراً وليس آخرا يأتي الإهتمام بالقطاع الثقافي. وهو يتطلب تعزيز دوره للنهوض بالمجتمع وتنمية قدرات الشباب الإبداعية وفي نفس الوقت الحفاظ على التراث الثقافي. ومن فنون إدارة هذا القطاع كيفية المساهمة في انتعاش مهن وحرف تقليدية مرتبطة بالتراث الثقافي وإستقطاب مستثمرين للتعرف على تراث الدولة مما يجذب النشاط السياحي ورءوس الأموال. وجدير بالذكر أن الإنسان هو المحور الرئيسي للثقافة لذا فمن المتوقع أن تهتم الحكومة بالتنمية الثقافية التي تستهدف بناء وتطوير وإشباع ثقافة الفرد. وبناء على ماسبق تهتم الحكومة بربط القيم والتشريعات والممارسات والمواقف والسلوكيات ودرجة الوعي بالحقوق والواجبات.

ونستخلص مما سبق أن التنمية الثقافية لا يتم إستيرادها من الخارج مثلما يتم استيراد السلع والخدمات وإنما ينبغى أن يتم إنتاجها محليا في إطار إجتماعي أساسه الأخلاقيات والمبادئ.

د رءوف الكدواني

أستاذ البنوك والعلوم المالية

رءوف الكدواني فن الإدارة في الحكومة التنمية الثقافية القطاع الخاص