18 أبريل 2024 03:36 9 شوال 1445
بوابة الكلمة رئيس التحرير محمد خضر
مقالات

أحمد أبو المعالي يكتب: الحكيم ونصيحة الزمان

بوابة الكلمة


تتكالب علينا الدنيا وزخارفها من بنين وأموال وحفدة وأزواج وقصور وضيعات وذهب وفضة لنتصارع فيها تصارع الوحوش فى البرية، فلا هذا قانع، حاشا لله بما قسمه الله تعالى، ولا هذا راضى، حاشا لله عما قدره سبحانه وتعالى، الكل يريد أن يحظى بما تشتهيه نفسه وتحتاجه من ملذات الدنيا، وسبحان من قدر الأرزاق وقسمها ولم ينس أحداً حتى أن ملك الموت فى آخر لحظة من لحظات الدنيا يقول للعبد وهو يقبض روحه، كما أخبر نبينا وحبيبنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، يقول الملك ياعبد الله لقد طفت الأرض مشرقاً ومغرباً فلم أجد لك لقمة عيش فى الدنيا، ياعبد الله لقد طفت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد لك شربة ماء على الدنيا، ثم يقول له فى الثالثة يا عبد الله لقد طفت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد لك نفساً واحداً متبقساً لك على الدنيا، ثم ينزع روحه إلى خالقها سبحانه وتعالى، ومن هنا كان دأب الانبياء والصالحون إرضاء رب العالمين والرضا بما قسم الله تعالى لخلقه جميعاً، وكل قد عمل على إرضاء الله حتى يفوز برضوانه تعالى وجنته ونعيمه وستر الذرية من بعده، فالمال الحلال ينمو ويربو ويزداد، والمال الحرام يغلق الأبواب وينذر بالخراب والعياذ بالله.
وذات مرة يدخل حكيم على أبى جعفر المنصور الخليفة العباسى الذى خضعت له الدنيا بأسرها فيقول الأمير للحكيم: عظنى ياحكيم موعظة تشفى بها قلبى وتهدئ بها روع خوفى من تقلبات الأيام والأزمان. فيقول له: يا أمير المؤمنين يا خليفة المسلمين أعظك بما رأته العين أم سمعته الأذن؟ فقال له بل بما رأت العين فهو القائل (صلى الله عليه وسلم) ليس الخبر كالمعاينة، فليس خبر السمع بأشد تأثيراً من رؤية العين الصادقه الثاقبة، فقال له: يا خليفة المسلمين لقد دخلت على الوليد ابن عبد الملك وهو حاكم للمسلمين وله أمر الحكم والنهى والتسلط على العباد والانشغال بالدنيا ومتاعها ونسائها وما ملكت يمينه، ودخلت على سيدنا عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه خامس الخلفاء الراشدين وزهرة بنى أمية على مر الزمان ذلك الأمام العادل والعبد الناسك الزاهد فى مال المسلمين والأمين عليه والحافظ له ذلك العبد الخاشع لمولاه، والله يا أمير المؤمنين، والكلام هنا للحكيم، لقد دخلت على الوليد ابن عبد الملك حين حضرته الوفاه فكان نصيب الزوجة الواحدة من نسائه الأربع المشتركات فى ثمن التركة ثمانين ألف مثقال من الذهب والفضة بخلاف الأموال والضيعات والإبل والشياه والأغنام والمتاع، ولقد دخلت أيضاً على عمر بن عبدالعزيز أمير المؤمنين رضى الله عنه حين قسمت أمواله فكان كل ما تركه لأولاده وزوجه أحد عشر دينارًا فقط، يا أمير المؤمنين والله لقد رأيت بعينى ابن الوليد بن عبد الملك يسأل الناس أن اعطونى ورأيت بعينى أيضاً ابن عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه ينفق فى اليوم الواحد مائة فرس فى سبيل الله تعالى، فنم وأهنأ أيها الإنسان القانع بما قسم الله لك، الراضى بما رزق، المحافظ على حل مالك بعيداً عما حرمه الله تعالى، يا ليتنا جميعاً نسعى لذلك.
اللهم بحق هذه الليله المباركة أن تكرمنا بكرمك بسعة رزقك وأن تجعل السعادة حظنا وسبيلنا يا كريم.. والله الموفق.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.