20 أبريل 2024 02:07 11 شوال 1445
بوابة الكلمة رئيس التحرير محمد خضر
أخبار وتقارير

الكسب الحلال |خطبة الجمعة تكشف نظرة الإكبار والتوقير للعمل باعتباره سبيلاً للرقي والتقدم

بوابة الكلمة

أعلنت وزارة الأوقاف أن موضوع خطبة الجمعة اليوم الموافق الأول من جمادى الأولى1444 والخامس وعشرين من نوفمبر 2022 تحت عنوان "الكسب الحلال" وشددت الوزارة على إتباع الإجراءات الاحترازية.

وتبين الخطبة نظرة الإكبار والتوقير للعمل باعتباره سبيلاً للرقي والتقدم.

نص الخطبة

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، القائلِ في كتابهِ الكريمِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، اللهُمَّ صلِّ وسلمْ وباركْ عليهِ، وعلى آلهِ وصحبهِ، ومَن تبعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ.

وبعدُ:

فإنَّ دينَنَا الحنيفَ ينظرُ إلى العملِ نظرةَ إكبارٍ وتوقيرٍ، باعتبارِهِ سبيلًا للرقيِّ والتقدمِ، والمتأملُ في القرآنِ الكريمِ يجدُ الدعوةَ إلى السعيِ والجدِّ والاجتهادِ في طلبِ الرزقِ بينةً واضحةً، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَهُ: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}، ويقولُ سبحانَهُ: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }، وَكَانَ سيدُنَا عِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ إِذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ اِنْصَرَفَ فَوَقَفَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَجَبْتُ دَعْوَتَكَ، وَصَلَّيْتُ فَرِيضَتَكَ، وَانْتَشَرْتُ كَمَا أَمَرْتنِي، فَارْزُقْنِي مِنْ فَضْلِكَ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ.

على أنَّ طلبَ الرزقِ في الإسلامِ قائمٌ على أساسِ الكسبِ الحلالِ في إطارٍ مِن الصدقِ، والإيجابِ والقبولِ، والتراضِي، وعدمِ الغررِ، أو استغلالِ حاجاتِ الناسِ، حيثُ يقولُ نبيُّنَا ﷺ: (كُلُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ حَرامٌ، دَمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ)، ويقولُ ﷺ: (لا ألْقيَنَّ اللهَ مِن قبْلِ أنْ أُعْطِيَ أحدًا مِن مالِ أحدٍ مِن غيرِ طِيبِ نفْسٍ، إنَّما البيعُ عن تراضٍ).

والكسبُ الحلالُ سببٌ لحلولِ البركةِ والخيرِ والنماءِ، حيثُ يقولُ نبيُّنَا ﷺ: (إنَّ هذا المالَ حُلْوةٌ خضِرةٌ فمَن أخَذَهُ بطِيبِ نفسٍ بورِكَ لهُ فيهِ ومَن أخَذَهُ بإشرافِ نفسٍ لهُ لم يُبارَكْ لهُ فيهِ وكانَ كالَّذي يأكُلُ ولا يشبَعُ واليدُ العُليَا خيرٌ مِن اليدِ السُّفلَى)، ويقولُ ﷺ: (الْبَيِّعانِ بالخِيارِ ما لَمْ يَتَفَرَّقَا، فإنْ صَدَقَا وبَيَّنَا بُورِكَ لهُمَا في بَيْعِهِمَا، وإنْ كَذَبَا وكَتَمَا مُحِقَ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا)، ويقولُ ﷺ: (أطيَبُ الكسبِ بيعٌ مبرورٌ وعملُ الرَّجلِ بيدِه)؛ ومَن عرفَ بركةَ الكسبِ الحلالِ لم تمتدّ عينُهُ إلى الحرامِ أبدًا مهمَا كان كثيرًا؛ لأنَّ الحلالَ فيه بركةٌ في النفسِ والمالِ والولدِ، وراحةٌ للضميرِ، وهدوءٌ للبالِ، وباعثٌ على السكينةِ والطمأنينةِ.

ولشرفِ الكسبِ الحلالِ يقولُ نبيُّنَا ﷺ: (التَّاجرُ الصَّدوقُ الأمينُ معَ النَّبيِّينَ والصِّدِّيقينَ والشُّهداءِ)، وقد بلغَ التاجرُ الصدوقُ تلكَ الدرجةَ لأنَّ النفوسَ جبلَتْ على حبِّ المالِ وهو مِن زينةِ الحياةِ الدنيا، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَهُ: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}.

فمَن يقاومُ حبَّ المالِ ويتغلبُ على نفسهِ وشهوتهِ وزينةِ الحياةِ الدنيا، ويؤثرُ الكسبَ الحلالَ على الحرامِ، والباقيةَ على الفانيةِ، والآخرةَ على الدنيا استحَقَّ أنْ يكونَ مع النبيينَ والصديقينَ والشهداءِ والصالحين وحسنُ أولئك رفيقًا، فهو أوثقُ فيما عندَ اللهِ على ما هو في يدهِ، حيثُ يقولُ سبحانَهُ: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا}.

كما أنَّ الكسبَ الحلالَ سببٌ لقبولِ الدعاءِ، حيثُ قالَ نبيُّنَا ﷺ: (يا سَعدُ أطِبْ مطعمَك تكُن مُستَجابَ الدَّعوةِ، والَّذي نَفسُ مُحمَّدٍ بيدِه إنَّ العَبدَ ليقذِفُ الُّلقمةَ الحرامَ في جوفِهِ ما يُتقبَّلُ منه عَملٌ أربعينَ يومًا، وأيُّمَا عَبدٍ نَبَتَ لحمُهُ مِن سُحتٍ؛ فالنَّارُ أولَى بهِ".

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خاتمِ الأنبياءِ والمرسلين سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعين.

لا شكَّ أنَّ الكسبَ الحرامَ عواقبُهُ وخيمةٌ، وآثارُهُ خطيرةٌ، فهو يبددُ الطاقاتِ، ويهدرُ الكفاءاتِ، ويعطلُ مصالحَ البلادِ والعبادِ، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}، ويقولُ نبيُّنَا ﷺ: " إنَّهُ لا يربُو لحمٌ نَبَتَ مِن سُحتٍ إلَّا كانتِ النَّارُ أولَى بِهِ".

فما أحوجَنَا إلى طلبِ الكسبِ الحلالِ طاعةً لربِّ العالمين، وصيانةً للعرضِ والدينِ، وحفاظًا على نعمةِ الوطنِ.

اللهم احفظ مصرنا من كل سوء.