29 مارس 2024 15:19 19 رمضان 1445
بوابة الكلمة رئيس التحرير محمد خضر
مقالات

أحمد سليم يكتب: الرحيل إلى القلوب

بوابة الكلمة

أكثر من خمسين عاماً مرت على رحيل الزعيم جمال عبد الناصر عن دنيانا. اثنان وخمسون عاماً من الرحيل لم تستطع أن تمحو حبه ومكانته من قلوب المصريين والعرب وشعوب عديدة .. فى مثل هذا اليوم منذ اثنين وخمسين عاماً كنت طالباً فى المرحلة الاعدادية وجيلى تربى على حب عبد الناصر، من أول يوم فى المدرسة علمونا أنه قائد الثورة وبانى السد العالى.. كنا فى نهايات اليوم أجلس فى حديقة المنزل أرتب كتب العام الدراسى الجديد وجدتى وأبى وأحد أعمامى فى فراندة المنزل، فجاة تأتى صرخات من أماكن مختلفة يهرول الجميع وتدق مسامعى عبارة "عبد الناصر مات لحظات" لا أستوعب الخبر هل يموت الزعماء ولو ماتوا كيف تحيا شعوبهم من بعدهم؟
الصراخ يعم القرية.. صراخ السيدات ونحيب الرجال وهرولة الشباب فى كل اتجاه بلا هدف استمع إلى الراديو، صوت السادات ينعى الزعيم وميكوفونات المسجد تذيع تلاوات للقرآن وتدعو أهل القرية إلى المسجد الكبير.. تحولت قريتى إلى سرادق عزاء كبير، البكاء والصراخ يعم كل أنحائها، ومازال السؤال داخلى هل يموت الزعماء ولماذا يتركنا ناصر واليهود على شاطئ القناة وماذا سنفعل هل سنحارب أم تضيع الأرض وماذا بعد أن بنى لنا السد العالى وأمم القناة وبنى مجمع الحديد والصلب والألومنيوم والوحدة الصحية التى تعالج اهل قريتى والمدرسة و... و....؟
يتجمع أهل القرية فى المسجد، إمام المسجد يدعو للايمان بقدر الله والترحم على الراحل وعمدة القرية يدعو للهدوء، وجاء مأمور المركز ليدعو القرية للهدوء والشباب إلى الحرص على الوطن والدعوة لمواصلة المسيرة.. أعضاء الاتحاد الاشتراكى يتجمعون ونراقبهم من بعيد وأنا أفكر كيف أذهب إلى القاهرة وكانت لى سابقة فى ذلك يومى ٩ و١٠ يونيو 1967 يوم خرجنا وكنا أطفالاً صغاراً وتسللنا مع ركاب جرار زراعى حمل الرجال والشبا ب إلى القاهرة وعدنا بعد استجابة ناصر للشعب وكان بداخل كل منا إحساس أنه كان مشاركاً فعالاً فى عودة الرئيس بعد تنحيه ولكن اليوم اختلفت الظروف مهما حاولنا لن يعود الرئيس .
ثلاث أيام وبكاء أهالى القرية لم يتوقف ولا نعلم جيداً ماذا يحدث فى العالم أو حتى القاهرة إلا من خلال ما يذيعه التليفزيون الوحيد فى القرية أو الراديو أو الصحف التى مازلت احتفظ بها حتى الآن.
انتهى الحال بنا إلى جنازة افتراضية تتقدمها الموسيقى النحاسية من المدرسة ونعش ملفوف بعلم مصر وصور ناصر تتصدر المسيرة وعبر أبواب منازل القرية كنت أرى دموع السيدات وصراخهن من خلف الأبواب ووقوف الرجال على جانب الطرق احتراماً وإجلالاً
واليوم وبعد اثنين وخمسين عامًا من الرحيل ومحاولات من الغرب والشرق والداخل مازال الزعيم فى القلوب ومازلنا ننظر إلى ما قدم ونختلف عليه ونتفق ولكن يظل عبدالناصر زعيماً خالداً. عبدالناصر والستينات وما أدراك ما الستينات نعم ما أدراك ما الستينات بنينا السد العالى ومجمع الألومنيوم والحديد والصلب وكان صوت ماكينات المصانع لا يتوقف فى المحلة وكفر الدوار وشبرا الخيمة وكانت الصحراء فى بدر ووادى النطرون والتحرير تتحول الى مزارع. وما أدراك ما الستينات.. مدرسة ابتدائية فى كل القرى بها حجرة موسيقى وأخرى للفنون.. ولم يكن هناك حل سوى كسر عبد الناصر فكانت نكسة يونيو والتى استطاع أبطال القوات المسلحة المصرية أن يحولوا الصراع بعدها إلى أعظم حرب لمدة سنوات واستطاع ناصر أن يعيد ترتيب الجيش وبنائه واستطاع الأبطال كتابة سيرة عظيمة خلال حرب الاستنزاف. مر 52 عامًا ومازال الزعيم فى قلوب المصريين جيلاً بعد جيل.

أحمد سليم يكتب الرحيل إلى القلوب