29 مارس 2024 04:11 19 رمضان 1445
بوابة الكلمة رئيس التحرير محمد خضر
مقالات

أحمد سليم يكتب: حكايتى والقهوة

بوابة الكلمة


خمسون عامًا هى علاقتى بالقهوة، تتأثر علاقتنا بالأماكن ومواسم العام، فنجان القهوة فى العمل وزميل يساعدنى، وفنجان القهوة عند الكتابة مفجر للإبداع، أما قهوة الصباح مع فيروز فهي طعم آخر ينافسه فنجان القهوة على النيل أو البحر مع أغنيات أم كلثوم... فنجان القهوة مع الصديق يختلف عن مذاقه مع الحبيب، فنجان القهوة صانع الأحداث والمزاج.
تعود علاقتى بالقهوة إلى مرحلة الصبا كنت فى الإجازة الدراسية بعد حصولى على الشهادة الاعدادية وتقدمت بأوراقى إلى مدرسة الاحمدية الثانوية بطنطا .. وفى هذه السن يحاول الصبى أن يظهر بمظهر الشاب أو الرجل فقد بدأ شاربه يظهر وكل منا يفكر فى وسيلة أو مظهر يؤكد به أنه أصبح شاباً. كانت الوسائل تختلف من اللجوء للتدخين أو الذهاب للسينما مع صديقة أو الجلوس على المقهى.
ذهبت إلى مقهى البورصة لأول مرة بمفردى، كنت أذهب إليها سابقا مع أبى أو أحد أعمامى.. جلست فى مكان قريب من شباك يطل على الشارع وطلبت فنجاناً من القهوة: قهوة زيادة لو سمحت. نظر إلىّ وكرر السؤال وأعدت الاجابة متسائلاً فى نفسى هل لا أبدو رجلاً؟ وجاءنى ماسح الاحذية وأحسست أن هذه بداية مرحلة جديدة فى حياتى مع القهوة والمقهى.

تناولت قهوتى وانتهى ماسح الاحذية من عمله وجلست منتشياً بعد تناولى فنجان القهوة كان إحساساً مختلفاً عن تناول الشاى والشاى بحليب وعصير الفراولة أو الطماطم وظل الطعم فى فمى واحساسى الروحى بها حتى عدت إلى منزلى، وذات مساء ذقت القهوة مرة أخرى من يد أمى التى صنعتها على السبرتاية لتبدأ العلاقة مع القهوة تكبر وتستمر.
ومن مقهى البورصة الى مقهى مدين الصغيرة الذى كنت أذهب إليه مع والدى وكان دائماً ما يطلب لى حاجة ساقعة وفى مرة تشجعت وتحججت بالصداع لأشرب لأول مرة قهوة مع أبى الذى بدا مستغربا من طلبى أعقب الطلب عامل المقهى الذى عقب قائلا بقينا رجالة ياعمدة ورسخت مقولته إن شرب القهوة مظهر من مظاهر الرجولة وكانت المقهى فى ذلك الوقت مكانا للقاء بين تجار المواشى يوم الاثنين بعد انتهاء سوقهم الشهير، أجلس أحياناً لاستمع لنوادرهم ومحاولات النصب بينهم وعليهم وقصص كثيرة كنت استرق السمع لها وأنا جالس بالمقهى وخلال مراحل الثانوى والجامعة ازدادت علاقتى بالمقهى مستغلاً الفارق فى الوقت بين موعيد نهاية الدروس أو المحاضرات وبين مواعيد القطار، تنقلت بين مقاهى طنطا العثمانية مقهى العمد والاعيان والتجارية التى يجلس عليها تجار الخان والسباعى ومقهى ليمونس وبعيداً كانت محلات دورية وحجازى ملتقى العشاق والاسر فلم يكن مسموحاً بالجلوس للفتيات أو السيدات على المقهى.
فى المقهى تستطيع ان تتابع اخبار الرواد من ماسح الاحذية وأن تستمع بأغانى الزمن الجميل وأيضا مباريات كرة القدم.. وأن تتأمل وجوه الجالسين فتتنبأ بأحوال كثيرة. علمتنى المقاهى قراءة الوجوه وحتى طرق الجلوس ولم تنجح فى تعليمى الطاولة او الدمينو.
والمقهى طقس مهم فى حياة المصريين فى أجيال الاربعينات والخمسينات والستينات كانت المقهى طقساً يومياً للموظف بعد عودته من العمل وتناوله الغذاء وانتهاء فترة القيلولة كانت المقهى مكانه المفضل فى حين كانت السيدات يجتمعن حول السبرتاية وقهوة العصارى حيث جلسات النميمة او السماع. كانت جدتى فى زيارتها لنا وامى تجلسان فى الفراندة واماهما سبرتاية القهوة و كانت عمتى تجيد طحن البن وخلطه وكانت المنافسة دائما بين طعم فنجان قهوة ام فلان أو فلانة.
وفى أوائل الثمانينات جئت الى القاهرة لتبدأ علاقة جديدة بالقهوة والمقهى وبرحلتى مع مقاهى القاهرة والجيزة والاسكندرية والتي امتدت الى مقاهى سوريا ولبنان وباريس وحتى مقهى أبو طربوش فى المدينة المنورة ذقت القهوة بمذاقات مختلفة وطرق مبتكرة وحكايات عديدة أتذكرها معكم.

أحمد سليم حكايتى والقهوة