20 أبريل 2024 01:33 10 شوال 1445
بوابة الكلمة رئيس التحرير محمد خضر
مقالات

نزار السيسى يكتب: حبال التعلق

بوابة الكلمة

نحن مربوطون بحبالٍ لا نراها، نعيش ونحن مقيدون بالعادة والرغبة والتمني، ولكلٍ منّا حباله الخاصة

حبالٌ رقيقةٌ جدًا لا يمكن أن تُرى ولكنها قويةٌ جدًا جدًا

نعيش حياتنا للآخرين .. نعطي .. ونتعب .. ونقدم ونضحي من أجلهم .. وأما أنفسنا فسلام الله عليها، هي آخر ما نفكر به!!. كنا معهم حقًا مثل شجرة مثمرة، كلما قُذفت بالحجارة ازدادت نضرةً وخضرةً وظلالًا

ولم يفكروا ولو لمرةٍ واحدة هذه الشجرة الوافرة بنفسها، ولا بجفافها ولا حتى بأغصانها المتعبة كانت فاردةً لهم أغصانها في الهواء مثل أمٍ حنون، تلاعب صغارها لكنهم عوضًا عن ملاطفتنا قذفونا بالنكران والحجارة لقد عشنا بحبالٍ لا تشبهنا ولا تليق بعنقنا الشامخ تعبنا من إنسانيتنا ..تخيل أي عالمٍ هذا الذي يتعب فيه المرءُ من كونه إنسانًا! هل علينا أن نتحرر من انسانيتنا ونكون مثلهم ليكفُّ العالم حينها عن أذيتنا ؟

العطاء حين يكون في الأنذال يصبح غصة، لكنهم الصالحون يدفعون الأيام المرة بالتغاضي، وبطي صفحات الأنذال دون أن يُكْترث لهم، نربط على أعناقنا حبالًا غليظةً جدًا، تكبلنا الأحلام بحبالٍ من سراب، نشعر بها ولا نراها. تكبلنا الذكريات بحبالٍ نشعر بها في الأغاني والصور والأماكن التي عشناها معًا، تكلبنا الأيام بالروتين، ويكبلنا الحنين بالتذكّر والأفراح بالترقّب والأصحاب بالعشم. ويكبلنا الأحبة بالغياب .نعيش حياتنا بحبالٍ طويلة لا ندري من عقدها، أو من أطلقها.

وفي النهاية... تجد أن الشخص الذي يعاتبك على عدم إهتمامك به هو من يلوذ بالفرار عندما يستشعر حاجتك له والذي يلومك على إبتعادك هو من يتجاهل وجودك، والذي يجعلك تشعر بتأنيب الضمير هو المتهم غالباً بالتقاعس والتقصير ، ومن يعذلك على تغيرك نحوه ، هو من زاد غيابه..وقل سؤاله.. وتبدل حاله... ولكن مع كل هذا أيقنت أن خوفي على الذين احبهم قد يفوق احياناً خوفي على نفسي، وأن لا شيء يُعادل لحظة الطمأنينة التي تغمرني عندما ادرك انهم بخير، الى الذين احبهم:كونوا بخير لأجلكم اولاً ثم لأجلنا، فإن ما يمسّكم يمسّنا، نعيذكم بالله من نوائب الدهر، وكوارث الزمن، ومن الشرور، والمساوئ، والاخطار، لأن النبلاء وحدهم من يمنحون الآخرين مخرجاً. إن الكريم من يحفظ للآخرين ماء وجههم حتى وإن كان بموضع قوة وسلطة، وحتى إن كان الآخرون قد وقعوا في خطأ بواح. أنت لا تحتاج أن تحشر الناس بزاوية، كل ما تحتاجه أن تنبه عن الخطأ بألبق الأساليب، وليس بأسلوب التحقيق وطلب الرد وأنت تعلم أنه لا يملك رداً!

نزار السيسى يكتب حبال التعلق