خطبة الجمعة توضح أهمية الاستثمار في حياتنا
بوابة الكلمة
أعلنت وزارة الاوقاف عن أن موضوع خطبة الجمعة اليوم الموافق 27 مايو 2022م عن أهمية الاستثمار في حياتنا، موضحة أهميةُ الاستثمارِ في الإسلامِ ومبين ضَوَابِطُ الاستثمَارِ في الإسلام ومجالاتُ الاستثمارِ وصورُهُ
واوضحت خطبة الجمعة أن
للاستثمارِ أهميةُ كُبرى في الإسلامِ؛ لأنَّهُ أساسُ التنميةِ الاقتصاديةِ للبلادِ، ويُقصَدُ بالاستثمارِ: استخدامُ المالِ قصدَ نمائِهِ وزيادتِهِ وإحيائِهِ، فيمَا أحلَّهُ اللهُ بكلِّ الوسائلِ المشروعةِ لصالحِ الفردِ والجماعةِ .
لذلكَ حثَّ الإسلامُ علَى حركةِ المالِ وتداوُلِهِ وتقلُّبِهِ ودورانِهِ واستثمارِهِ؛ لأنَّ المالَ لمْ يُخْلَقْ للحبسِ وعدمِ التداولِ، وإلَّا لتعطلَّ سيرُ الحياةِ، وحدثتْ المجاعاتُ، وخربتْ البلادُ، وهلكَ العبادُ.
إنَّ الإسلامَ رغَّبَ في كلِّ وسيلةٍ تؤدِّي إلى تشغيلِ المالِ واستثمارِهِ وتداوُلِهِ، فحثَّ على التجارةِ بشتَّي ألوانِهَا، وجعلَ طرقًا عديدةً لمنْ يَمْلِكُ المالَ ولا يقدرُ على العملِ، فأجازَ المزارعةَ؛ لأنَّ أصحابَ الأرضِ لا يقدرونَ على زرعِهَا وهمْ في حاجةٍ إلى الزرعِ، وغيرُهُمْ في نفسِ الحاجةِ ولا أرضَ لَهُمْ، فاقتضتْ حِكْمَةُ الشارعِ جوازَ المزارعةِ، وكذلكَ المضاربةِ وجميعِ طرقِ الكسبِ والشركاتِ الجائزةِ شرعًا بشروطِهَا وضوابِطِهَا؛ لأنَّ الدراهمَ والدنانيرَ، لا تُنمَّي إلا بالتقليبِ والتجارةِ، وليس كلُّ منْ يمْلِكُهَا يُحسنُ التجارةَ؛ ولأنَّ كلَّ مَن يُحسنُ التجارةَ ليسَ لهُ رأسُ مالٍ، فاحتيجَ إليهَا مِن الجانبينِ فشرعهَا اللهُ تعالي لدفعِ الحاجتَينِ.
والهدفُ الأسمَى والمقصدُ العامُ للشرعِ الحكيمِ منْ وراءِ كلِّ ذلكَ، هوَ تحريكُ عجلةِ المالِ ودورانِهِ واستدامِةِ تداوُلِهِ وتقَلُّبِهِ بينَ النَّاسِ، حتَّى لا يكونَ منحصِرًا بينَ فئةٍ وأقليةٍ قليلةٍ، تزدادُ غنيً بنمائِهِ، وفي نفسِ الوقتِ توجدُ فئةٌ وطائفةٌ أخرى لا تملكُ مِنَ المالِ ما يكفيهَا لإشباعِ الضرورياتِ والأساسياتِ في الحياةِ، فكانتْ نظرةُ الشارعِ حكيمةً، حينَ بيَّنَ هذهِ العلةَ في قولِهِ تَعَالَي: { كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ}.(الحشر: 7).
ولأهميةِ الاستثمارِ في الإسلامِ أمرنَا الشارعُ الحكيمُ بالإتجارِ في أموالِ اليتامى حتَّى لا تَأْكُلُهَا الزكاةُ، كمَا حرَّمَ الإسلامُ الاكتنازَ؛ لأنَّهُ يعملُ على تعطيلِ حركةِ المالِ.
ومن صورِ الاستثمارِ: استثمارُ الأولادِ والذريةِ: فالأولادُ ثروةٌ عظيمةٌ يجبُ علينَا أنْ نستثمرَهَا في الخيرِ، يقولُ الإمامُ الغزاليُّ رحمه اللهُ: ” اعلمْ أنّ الصبيَّ أمانةٌ عندَ والديهِ وقلبَهُ الطاهرَ جوهرةٌ نفيسةٌ ساذجةٌ خاليةٌ عن كلِّ نقشٍ وصورةٍ، وهو قابلٌ لكلِّ ما نقشِ، ومائلٌ إلى كلِّ ما يُمالُ بهِ إليهِ، فإنْ عُوِّدَ الخيرَ وعُلِّمَهُ نشأَ عليه وسعدَ في الدنيا والآخرةِ، وشاركَهُ في ثوابِهِ أبوه وكلُّ معلمٍ له ومؤدبٍ، وإنْ عُوِّدَ الشرَّ وأُهملَ إهمالَ البهائمِ شقي وهلكَ، وكان الوزرُ في رقبةِ القيِّمِ عليه والوالِي له. وقد قال اللهُ عزّ وجلّ {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسَكُم وأهلِيكُم نارا} ومهما كان الأبُ يصونُهُ عن نارِ الدنيا، فأنْ يصونَهُ عن نارِ الآخرةِ أولَى، وصيانتُهُ بأنْ يؤدبَهُ ويهذبَهُ ويعلمَهُ محاسنَ الأخلاقِ، ويحفظَهُ من القرناءِ السوءِ”. ( إحياء علوم الدين).
واستثمارُ الأولادِ ينفعُ أنفسَهُم ومجتمعَهُم، فينبغِي على كلِّ فردٍ أنْ يستثمرَ أولادَهُ قبلَ أنْ يستثمرَ لهُم، فلربَّمَا استثمرَ لهم أموالًا طائلةً، ولم يستثمرْهُم في أنفسِهِم فيجعلُوا ما استثمرَهُ لهم والدُهُم هباءً منثورًا، وتحضرُنِي هذه القصةُ في هذا المضمونِ: ” فقد دخلَ مقاتلُ بنُ سليمان على المنصورِ يومَ بويعَ بالخلافةِ، فقالَ له المنصورُ: عظنِي يا مقاتل، قال: أعظُكَ بما رأيتُ أم بمَا سمعتُ؟!قال: بما رأيتَ. قال: يا أميرَ المؤمنين… عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ أنجبَ أحدَ عشرَ ولدًا و تركَ ثمانيةً عشرَ دينارًا، كُفِّنَ بخمسةِ دنانيرٍ، واشتُرِي له قبرٌ بأربعةِ دنانيرٍ، وَوُزِّعَ الباقي على أولادِهِ، وهشامُ بنُ عبدِ الملكِ أنجبَ أحدَ عشرَ ولدًا، وكان نصيب ُكلِّ ولدٍ مِن التركةِ ألفَ ألف (مليون) دينار، واللهِ يا أميرَ المؤمنين لقد رأيتُ في يومٍ واحدٍ ولدًا مِن أولادِ عمرَ يتصدقُ بمائةِ فرسٍ للجهادِ في سبيلِ اللهِ، وأحدَ أولادِ هشامِ يتسولُ في الأسواقِ!! ( من خواطر الشيخ الشعراوي رحمه الله ).
وكما قِيلَ في المثلِ: اعملْ ابنَكَ أفضلُ مِن أنْ تعملَ لهُ .
وهكذا باستثمارِ المالِ والعمرِ والأولادِ في الخيرِ، يفوزُ المسلمُ في عاجلِهِ وآجلِهِ.