يد تعمل وتصنع وتتقن وأخرى تحرس وتحمي
خطبة الجمعة| الصانعُ المُتقِنُ والجندي المرابط يدًا بيد
بوابة الكلمةأشارت وزارة الأوقاف إلى أن خطبة الجمعة اليوم الثانى عشر من شوال 1443هـ الموافق الثالث عشر من مايو 2022م تحت عنوان "الصانعُ المُتقِنُ والجندي المرابط يدًا بيد".
وأكد الوزارة على جميع الأئمة الالتزام بموضوع الخطبة نصًّا أو مضمونًا على أقل تقدير، وألا يزيد أداء الخطبة على عشر دقائق للخطبتين الأولى والثانية مراعاة للظروف الراهنة.
وتشير خطبة الجمعة إلى أنَّ للصناعةِ شأنًا عظيمًا ومكانةً عاليةً، فهي أساسُ نهضةِ الأممِ وتطورِهَا، موضحة أن الإتقانُ والجودةُ والتميزُ مِن أهمِّ الصفاتِ التي يجبُ أنْ يتحلَّى بهَا الصانعُ.
نص الخطبة:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، القائلِ في كتابهِ الكريمِ: (وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، وأشهدُ أنْ لا إِلهِ إِلّا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، اللهمَّ صلِّ وسلمْ وباركْ عليهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ، ومَن تبعَهُم بإحسانٍ إلي يومِ الدينِ.
وبعدُ:
فإنَّ للصناعةِ شأنًا عظيمًا ومكانةً عاليةً، فهي أساسُ نهضةِ الأممِ وتطورِهَا، وبازدِهَارِهَا تتوفرُ فرصُ العملِ، ويتحققُ التقدمُ الاقتصاديُّ، والرقيُّ المعيشيُّ، والمتأملُ في القرآنِ الكريمِ يجدُ إشاراتٍ واضحةً في العديدِ مِن الصناعاتِ؛ تأكيدًا علي فضلِهَا وأهميتِهَا، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَهُ: (وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ)، ويقولُ سبحانَهُ: (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا)، ويقولُ تعالَي: (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَٰبِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ وَسَرَٰبِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ)، ويقولُ تعالَي: (يَعْمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ وَجِفَانٍۢ كَٱلْجَوَابِ وَقُدُورٍۢ رَّاسِيَٰتٍ ۚ)، ويقولُ تعالَي: (وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ ۙ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَىٰ حِينٍ) .
ولشرفِ الصناعةِ كان صفوةُ الخلقِ مِن أنبياءِ اللهِ ورسلِهِ مِن أصحابِ الصنائعِ والحرفِ، وكانوا مضربَ المثلِ في المهارةِ والإتقانِ، حيثُ كان سيدُنَا نوحٌ (عليه السلامُ) يعملُ في صناعةِ السفنِ، يقولُ سبحانَهُ: (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا)، وكان سيدُنَا داودُ (عليه السلامُ) حدادًا، يقولُ تعالَي: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ ۖ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ)، وكان زكريَّا (عليه السلامُ) نجارًا، يقولُ نبيُّنَا (صلَّي اللهُ عليه وسلم): (كان زكريَّا نجارًا).
والإتقانُ والجودةُ والتميزُ مِن أهمِّ الصفاتِ التي يجبُ أنْ يتحلَّى بهَا الصانعُ، ولقد لفتَ الحقُّ سبحانَهُ أنظارَنَا إلى الإتقانِ، حيثُ خلقَ سبحانَهُ كلَّ شيءٍ بإتقانٍ معجزٍ، يقولُ تعالي: (صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِىٓ أَتْقَنَ كُلَّ شَىْءٍ ۚ إِنَّهُۥ خَبِيرٌۢ بِمَا تَفْعَلُونَ)، وأوجبَ علينَا سبحانَهُ الإحسانَ في كلِّ شيءٍ، يقولُ سبحانَهُ: (وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، ويقولُ نبيُّنَا (صلَّي اللهُ عليه وسلم): (إنَّ اللهَ كتبَ الإحْسَانَ علَى كلِّ شيءٍ).
وقد عرفَ عهدُ نبيِّنَا عددًا مِن المهنِ والحرفِ والصناعاتِ الذي سجلَ جانبًا منها أبو الحسنِ الخزاعي في كتابِهِ: تخريجُ الدلالاتِ السمعيةِ على ما كانَ في عهدِ رسولِ اللهِ مِن الحرفِ والصنائعِ والعمالاتِ الشرعيةِ، منها: مَن كان يعلمُ الطبَّ في عهدِ الرسولِ (صلَّي اللهُ عليه وسلم)، كما ذكرَ النساجينَ، والخياطينَ، والنجارينَ، والحدادينَ، والصواغينَ، والدباغينَ، والخواصينَ، والبنائينَ، والتجارَ، وضَمَّنَ الكتابَ فصلينِ كاملينِ أحدهُمَا للحرفةِ والآخرُ للصناعة.ِ
والصانعُ المتقنُ يدفعُهُ إيمانُهُ باللهِ (عزَّ وجلَّ) ومراقبتُهُ لهُ إلي تجويدِ عملِهِ، والتَّمَيّزِ فيهِ، حيثُ يقولُ سبحانَهُ: (وَمَا تَكُونُ فِى شَأْنٍۢ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْءَانٍۢ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ۚ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍۢ فِى ٱلْأَرْضِ وَلَا فِى ٱلسَّمَآءِ وَلَآ أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكْبَرَ إِلَّا فِى كِتَٰبٍۢ مُّبِينٍ)، كمَا أنَّهُ يمتثلُ أوامرَ اللهِ (عزَّ وجلَّ) حيثُ يقولُ تعالي: (وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَٱلْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)، ويقولُ نبيُّنَا (صلَّي اللهُ عليه وسلم): (إِنّ اللَّهَ يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ).
ومِن إتقانِ الصانعِ سرعةُ إنجازِهِ عملَهُ في موعدِهِ، وهذا شأنُ الصُّناعِ في المجتمعاتِ المتحضرةِ، كمَا أنَّ وفاءَ الصانِعِ بعملِهِ في الموعدِ المحددِ لهُ صفةٌ كريمةٌ تدلُّ علي شرفِ النفسِ وقوةِ العزيمةِ، حيثُ يقولُ سبحانَهُ: (وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ العهد كَانَ مَسْؤُولاً)، وقد أمرَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) بهَا، وامتدحَ بهَا عبادَهُ المؤمنين، حيثُ يقولُ سبحانَهُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)، ويقولُ تعالَي: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُون)َ.
علي أنَّنَا نؤكدُ أنَّهُ لن يحترمَ الناسُ دينَنَا ما لم نتفوقْ في أمورِ دنيَانَا، فإنْ تفوقنَا في أمورِ دُنيانَا احترمَ الناسُ دينَنَا ودُنيانَا، وأنَّ الاقتصادَ القويَّ يعنِي دولةً عزيزةً شامخةً، ذاتَ مكانةٍ، وذاتَ كفايةٍ ذاتيةٍ، وهو ما تسيرُ عليهِ بفضلِ اللهِ مصرُنَا العزيزةُ في جمهوريتِنَا الجديدةِ.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خاتمِ الأنبياءِ والمرسلين، سيدِنَا مُحمدٍ (صلَّي اللهُ عليه وسلم)، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين.
فإن ما تقوم به عناصر الجماعات الإرهابية من اعتداء على الآمنين وعلى الجنود المرابطين على حماية الوطن أو علي البني التحتية للوطن، إنما هو جريمة شرعية ووطنية، جريمة في حق الدين وخيانة للوطن، وواجبنا جميعـًا أن نقف خلف فواتنا المسلحة الباسلة في مواجهتها للإرهاب دفاعـًا عن الدين والوطن معـًا، فواجب الوقت منا جميعًا الصانع والعامل والزارع والمستثمر والضابط والجندي هو خدمة وطننا الذي هو جزء لا يتجزأ من خدمة ديننا، يد تعمل وتصنع وتتقن وأخرى تحرس وتحمي معًا يدًا بيد.