خطبة الجمعة| حبُّ الوطن والتضحية في سبيلِه واجب ديني


أشارت وزارة الأوقاف إلى أن خطبة الجمعة اليوم 25 جمادى الآخرة 1443هـ الموافق 28 يناير 2022م تحت عنوان " حبُّ الوطنِ والتضحيةُ في سبيلِهِ " وأكد الوزارة على جميع الأئمة الالتزام بموضوع الخطبة نصًّا أو مضمونًا على أقل تقدير، وألا يزيد أداء الخطبة على عشر دقائق للخطبتين الأولى والثانية مراعاة للظروف الراهنة
وتشير خطبة الجمعة إلى حبُّ الوطنِ والتضحيةُ في سبيلِهِ واجبٌ دينيّ، موضحة إنّ الانتماءَ إليهِ فطرةٌ جُبلتْ عليها النفسُ البشريةُ السويةُ.
نص الخطبة:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، القائلِ في كتابِهِ الكريمِ (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)، وأشهدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنَا محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، اللهم صلِّ وسلمْ وباركْ عليهِ، وعلى آَلِهِ وصحبِهِ، ومَن تبعهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ. وبعدُ: فإنَّ للوطنِ مكانةً ساميةً في قلوبِ أبنائِهِ، وإنّ الانتماءَ إليهِ فطرةٌ جُبلتْ عليها النفسُ البشريةُ السويةُ، يقولُ الأصمعيُّ (رحمَهُ اللهُ): إذا أردتَ أنْ تعرفَ وفاءَ الرجلِ ووفاءَ عهدِهِ، فانظرْ إلى حنينِهِ إلى أوطانِهِ، وتشوقِهِ إلى إخوانِهِ، وبكائِهِ على ما مضَي مِن زمانِهِ. وحبُّ الوطنِ والانتماءُ إليهِ واجبٌ دينيٌّ؛ لذلكَ حَفلتْ الشريعةُ الإسلاميةُ بالدعوةِ إلي تعميقِ الانتماءِ للوطنِ، والعملِ علي رقيِّهِ وتطورِهِ، وها هو نبيُّنَا (صلَّي اللهُ عليه وسلمَ) عندمَا هاجرَ إلي المدينةِ المنورةِ نظرَ إلي وطنِهِ مكةَ المكرمةِ مودعًا، وقالَ: (ما أطيبَكِ من بلدٍ وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أنَّ قومِي أخرجُونِي منكِ ما خرَجْتُ)، وعندمَا هاجرَ (صلي اللهُ عليه وسلمَ) إلي المدينةِ المنورةِ واستوطنَ بهَا ، دعَا اللهَ (عزَّ وجلَّ) أنْ يحببَهَا إليهِ، فقالَ (صلَّي اللهُ عليه وسلمَ): (اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنا المَدِينَةَ كَحُبِّنا مَكَّةَ أوْ أشَدَّ). علي أنَّ حبَّ الوطنِ ليسَ مجردَ كلماتٍ تُقَالُ، أو شعاراتٍ تُرفعُ، إنَّما هو سلوكٌ وتضحياتٌ بكلِّ غالٍ ونفيسٍ، فالمواطنةُ الحقيقةُ تَعنِي حُسنَ الولاءِ والانتماءَ للوطنِ، والحرصَ على أمنِهِ واستقرارِهِ، وتقدمِهِ، ورقيِّهِ، كما تعنِي الالتزامَ الكاملَ بالحقوقِ والواجباتِ، فالوطنيةُ الحقيقيةُ فداءٌ، واعتزازٌ بالوطنِ؛ لأنَّ الوطنَ يستحقُّ منَّا التضحيةَ لأجلِ عزّتِهِ، ورفعتِهِ، وحفظِهِ.
ومِن أهمِّ حقوقِ الوطنِ التضحيةُ في سبيلِهِ، ولا شكَّ أنَّ التضحيةَ بالنفسِ مِن أعلَي مراتبِ التضحيةِ، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَهُ: (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلً)، وقد بشرَّ نبيُّنَا (صلَّي اللهُ عليه وسلمَ) حراسَ الوطنِ وحُماتَهُ الذين يضحُون بأنفسهِم دفاعًا عنهُ بالنجاةِ من النارِ، حيثُ يقولُ نبيُّنَا (صلَّي اللهُ عليه وسلمَ): (عَينانِ لا تمَسَّهما النَّارُ : عينٌ بكت من خشيةِ اللهِ ، وعينٌ باتت تحرسُ في سبيل اللهِ)، لذلكَ استحقَّ أهلُ هذه التضحيةِ أنْ يكونُوا اصطفاءَ اللهِ تعالَي مِن المؤمنينَ، وفي معيةِ الأنبياءِ والصديقينَ والصالحينَ، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَهُ: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ)، ويقولُ تعالَي : (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا). ** الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ علي أشرفِ الخلقِ سيدِنَا محمدٍ وآلِهِ وصحبِهِ أجمعِين. إنَّ مِن واجبِ الوطنِ علي أبنائِهِ أنْ يَنفِرُوا خفافًا وثقالًا حيثُ اقتضَتْ مصلحةُ الوطنِ ذلك، وإذا كانَ مِن واجبِهِم افتداؤُهُ بأرواحِهِم ودمائِهِم متَي تَطَلبَ الأمرُ ذلكَ، فإنَّ مشاركتِهِم الإيجابيةَ في كلِّ ما تقتضِيهِ مصلحةُ الوطنِ هو أضعفُ الإيمانِ في بابِ الانتماءِ الوطنِي وحبِّ الوطنِ والإخلاصِ لهُ. إنَّ ضريبةَ الوطنِ لا يدفعُهَا جيلٌ واحدٌ، ولا بعضُ أبنائِهِ دونَ بعضٍ، بل هي عمليةٌ تشاركيةٌ وتضامنيةٌ بينَ جميعِ أجيالِهِ المتعاقبةِ. ومِن أهمِّ حقوقِ الوطنِ: الجدُّ والعملُ والإتقانُ، يقولُ نبيُّنَا (صلَّي اللهُ عليه وسلمَ): (إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ). ومنها: الوفاءُ بالواجبِ الوظيفِي، فالوظيفةُ العامةُ أمانةٌ ومسئوليةٌ والوفاءُ بحقِّهَا واجبٌ شرعيٌّ ووطنيٌّ، والإهمالُ في القيامِ بالواجبِ الوظيفِيِّ مِن أخطرِ أنواعِ الفسادِ،
فينبغِي علي الإنسانِ أنْ يكونَ قلبُهُ حيًّا وضميرُهُ يقظًا مستشعرًا دائمًا قولَ اللهِ تعالي: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ). ومنها: احترامُ عَلَمِهِ ونشيدِهِ ورموزِهِ وسائرِ شعاراتِهِ الوطنيةِ، فالعَلَمُ شعارُ الدولةِ وعنوانُهَا الذي يلتفُّ حولَهُ جميعُ أبنائِهَا في الداخلِ والخارجِ، ويحققُونَ تحتَهُ إنجازاتِهِم ونجاحاتِهِم، واحترامُهُ مِن أولوياتِ وثوابتِ أعمدةِ بناءِ الدولةِ. ومنها: حسنُ تمثيلِهِ في الداخلِ والخارجِ وفي جميعِ المحافلِ الوطنيةِ والدوليةِ والحرصُ علي رفعِ رايتِهِ عاليةً خفاقةً في جميعِ الدولِ والبلدانِ، وأنْ يكونَ الإنسانُ خيرَ سفيرٍ لوطنِهِ حيثُ كَانَ. ومنها: عدمُ السماحِ بالمساسِ بأرضِهِ ومقدراتِهِ أو النيلِ منهُ قولًا أو عملًا، والتصدِّي لأعدائِهِ دفاعًا بالكلمةِ والنفسِ والنفيسِ متَي تطلب َالأمرُ ذلكَ. اللهم احفظْ بلادنَا مصرَ وسائرَ بلادِ العالمين