18 أبريل 2024 19:46 9 شوال 1445
بوابة الكلمة رئيس التحرير محمد خضر
أخبار وتقارير

خطبة الجمعة| الإسلام أمر بالعمل وإتقانه مطلب ومقصد شرعي

بوابة الكلمة

أشارت وزارة الأوقاف المصرية إلى أن خطبة الجمعة اليوم السابع من يناير 2022م تحت عنوان "العمل شرف"، وأكد الوزارة على جميع الأئمة الالتزام بموضوع الخطبة نصًّا أو مضمونًا على أقل تقدير، وألا يزيد أداء الخطبة على عشر دقائق للخطبتين الأولى والثانية مراعاة للظروف الراهنة.

وتشير خطبة الجمعة إلى أن حَثُّ الإسلامِ على العملِ الشريفِ، موضحة مباشرةُ الأنبياءِ للأعمالِ المختلفةِ، ومؤكدة على أن إتقانُ العملِ مطلبٌ ومقصدٌ شرعيٌّ

مواجهةُ الفسادِ مهمةُ الرسلِ والأنبياءِ ، موضحة معالجةُ الإسلامِ لصورِ الفسادِ وتطهيرُ القلوبِ والنفوسِ شرطٌ أساسيٌ للإصلاحِ والتغييرِ.

نص الخطبة

الحمدُ للهِ حمدًا يوافي نعمَهُ، ويكافىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أمّا بعدُ،،،

(1) حَثُّ الإسلامِ على العملِ الشريفِ: إنّ الإسلامَ أمرَ بالعملِ، وحثَّ عليه، ورغّبَ فيه، وقد ربطَ اللهُ في القرآنِ الكريمِ بين الإيمانِ والعملِ الصالحِ، فلا تجدُ آيةً وردَ فيها الإيمانُ باللهِ إِلّا وقد قُرِنَ فيها العملُ، كما وردَ لفظُ العملِ في القرآنِ الكريمِ في «360» آيةً تضمنتْ الحديثَ عن أحكامِ العملِ، ومسؤوليةِ العاملِ وعقوبتِهِ ومثوبتِهِ في الدنيا والآخرةِ قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً﴾، وقال: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ .

كما وازنَ الإسلامُ بينَ ضرورةِ العملِ لدفعِ حركةِ الحياةِ، وعجلةِ التنميةِ، وبين متطلباتِ الروحِ في العبادةِ والاتصالِ باللهِ، وابتغاءِ رضوانِهِ بحيثُ لا يطغَى أحدهُمَا على الآخرِ، فيصابُ المسلمُ بموتِ الضميرِ، وعدمِ مراقبةِ العليمِ الخبيرِ قال تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، وقال جلَّ شأنُهُ: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾، فليسَ من الحقِّ أنْ يتجِهَ الإنسانُ بجميعِ طاقاتِهِ لتحصيلِ متعِ الحياةِ، والظفرِ بملاذِهَا الفانيةِ، وينصرفَ عن اللهِ بالكليةِ، بل عليه أنْ يعملَ لدنياهُ وآخرتِهِ معًا، والناظرُ في القرآنِ الكريمِ يجدُ أنّه دعَا الناسَ جميعًا إلى العملِ، وأوجبَ عليهم أنْ يكونوا إيجابيين بالجدِّ والنشاطِ ليفيدُوا ويستفيدُوا، وكرِهَ لهم الحياةَ السلبيةَ، والانزواءَ عن العملِ، فقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ .

لقد ملأَ اللهُ الأرضَ بالخيراتِ، وبثَّ فيها النعمَ والثرواتِ، ولن يظفرَ الإنسانُ بهذه المقدراتِ إلا بالعملِ والمثابرةِ ومواصلةِ الليلِ بالنهارِ قال تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ* لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ﴾، فالسماءُ لا تمطرُ ذهبًا ولا فضةً، ولكنْ تمطرُ ماءً يعمرُ الحياةَ بشقِّ الأرضِ وزراعتِهَا، فيجني الإنسانُ ثمارِهَا، ويعفُّ نفسَهُ وأهلَهُ ومجتمعَهُ عن خبثِهَا، لكنَّهُ عليه أنْ يأخذَ بالأسبابِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا» . (الترمذي وحسنه) .

وقد جعلَ نبيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البديلَ للفقرِ والبطالةِ في عصرهِ العملَ والكدَّ، وذاك ما يتصورُهُ الناسُ أنّه أحقرُ وأشقُّ المهنِ "الاحتطابَ" فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَأَنْ يأخذَ أحدُكُم حَبْلَهُ، فيَأْتِي بحِزْمَةِ الحطبِ على ظهرِهِ فيَبيعها، فيَكُفَّ اللهُ بها وجهَهُ، خيرٌ لهُ من أن يسألَ الناسَ، أعطوهُ أو منعوهُ» . (البخاري)، ويرسخُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مبدأَ ضرورةِ العملِ وأنّه بابُ المغفرةِ فيقولُ: «من أمسى كالًّا من عملِ يدِهِ باتَ مغفورًا له» .

(2) مباشرةُ الأنبياءِ للأعمالِ المختلفةِ: عندما تقرأُ في سيرِ الأنبياءِ والمرسلينَ والصحابةِ والعلماءِ والصالحينَ تجدُ أنّهم باشرُوا الأعمالَ المختلفةَ، والحِرفَ المتنوعةَ، فهذا داودُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يشتغلُ بالحدادةِ ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾، ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ﴾، وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ طَعَامًا هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمِلِ يَدَيْهِ، وإن نَبِي اللهِ دَاوُد يَأْكُلُ مِنْ عَمِلِ يَدَيْهِ» (البخاري)، وموسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ في أرضِ مدينَ نجدُ أنّه قد وافقَ أنْ يكونَ أجيرًا، يعملُ ويعرقُ جبينُهُ ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾، وكان نبيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرعى الغنمَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلا رَعَى الْغَنَمَ، فَقَال أَصْحابُهُ: وَأَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلى قَرارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ» . (البخاري) .

وعلى ذلك سارتْ سنةُ الأنبياءِ يعملونَ ولا يأنفونَ، فإبراهيمُ كان بنَّاءً، وهو الذي بنَى الكعبةَ وعاونَهُ ولدُهُ إسماعيلُ عَلَيْهما السَّلَامُ، وكان إلياسُ نسَّاجًا، وصالحُ تاجرًا، وسيِّدُنَا عيسى عَلَيْهِ السَّلَامُ يَعْمَلُ بالطبِّ، يقولُ الإمامُ القرطبيُّ: (وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ نَبِيِّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ كَانَ يَصْنَعُ الدُّرُوعَ، وَكَانَ أَيْضًا يَصْنَعُ الْخُوصَ، وَكَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَكَانَ آدَمُ حَرَّاثًا، وَنُوحٌ نَجَّارًا، وَلُقْمَانُ خَيَّاطًا، وَطَالُوتُ دَبَّاغًا، وَقِيلَ: سَقَّاءً، فَالصَّنْعَةُ يَكُفُّ بِهَا الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ عَنِ النَّاسِ، وَيَدْفَعُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ الضَّرَرَ وَالْبَأْسَ) أ.ه .

ونحن قد أُمرْنَا بالتأسِّي بهم، والسيرِ على نهجِهِم قال تعالى: ﴿أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ﴾، وقال: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾، أمّا أنْ يترفعَ الإنسانُ عن العملِ ويستنكفَ، ويحتقرَ مهنةً معينةً، ويفضلَ ويستسهلَ التسولَ، ومدَّ اليدِ، فهذا يخلُّ بالمروءةِ، ويحطُّ من قيمةِ الرجولةِ، ولذا كَرِهَ رسولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للعبدِ سؤالَ الناسِ ما دامَ قادرًا على العملِ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ الْمَسْأَلَةُ بِأَحَدِكُمْ حَتَّى يَلْقَى اللهَ، وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ» . (متفق عليه)، فلا بدَّ من العرقِ والعملِ، وطلبِ العفافِ من اللهِ بنيةٍ صادقةٍ، ومَن يفعلْ ذلك سيغنيه اللهُ من فضلِهِ، ويرزقهُ من حيثُ لا يحتسبُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّ نَاسًا مِنَ الْأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ، فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ، حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا عِنْدَهُ قَالَ: «مَا يَكُنْ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَصْبِرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِنْ عَطَاءٍ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنَ الصَّبْرِ» . (متفق عليه)، ولذا أخبرَ نبيُّنَا عن محبةِ اللهِ للعبدِ المحترفِ فعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُؤْمِنَ الْمُحْتَرِفَ» . (رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَالْأَوْسَطِ، وَفِيهِ عَاصِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ) .

وكان الصحابةُ لهم أعمالٌ ومهنٌ مختلفةٌ، فكان أبو بكرٍ تاجرَ أقمشةٍ، وعمرُ بنُ الخطابِ دلالًا، وعثمانُ بنُ عفانَ تاجرًا، وعليٌّ عاملًا، وعبدُ الرحمنِ بنُ عوفٍ تاجرًا، والزبيرُ بنُ العوامِ خياطًا، وسعدُ بنُ أبي وقاصٍ نَبَّالًا أي: يصنعُ النبالَ، وعمرو بنُ العاصِ جزارًا ، وكان ابنُ مسعودٍ وأبو هريرةَ لديهم مزارعٌ يزرعونَهَا، وكان عمارُّ بنُ ياسرٍ يصنعُ المكاتلِ، ويضفرُ الخوصَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أجمعين، وصدقَ عليٌّ بنُ أبي طالبٍ حيثُ قال:

لنقلُ الصخرِ من قمَمِ الجبالِ * أحبُّ إليَّ من مننِ الرِّجَالِ

يقولُ الناسُ في الكسبِ عارٌ * فقلتُ العارُ في ذلِّ السُّؤَالِ

ومن أشهرِ مواقفِ عبدِ الرحمنِ بنِ عوفٍ ما جاءَ عن أنسٍ قال: «قدِمَ عبدُ الرحمنِ بن عوفٍ، فآخَى صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بينَهُ وبينَ سعدِ بنِ الربيعِ، وعندَ الأنصاريِّ امرأتانِ، فَعَرَضَ عليهِ أنْ يُنَاصِفَهُ أهلَهُ ومالَهُ، فقال: باركَ اللهُ في أهلِكَ ومالِكَ دُلونِي على السوقِ، فأتى السوقَ فربِحَ شيئًا منْ أَقِطٍ وشيئًا من سمْنٍ» . (البخاري) .

(3) إتقانُ العملِ مطلبٌ ومقصدٌ شرعيٌّ: إنّ إتقانَ العملِ والوصولَ بهِ إلى أعلىَ درجاتِ الجودةِ، وأرقى متطلباتِ الإنتاجِ، وأفضلِ حالاتِ الشفافيةِ لهو مقصدٌ شرعيٌّ حثّنَا عليه دينُنَا، وأمرَ به نبيُّنَا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ» (شعب الإيمان)، ولكي يُنَمَّى خلقُ المراقبةِ لدى العبدِ أخبرَ ربُّنَا أنّ أعمالَنَا ستعرضُ عليه ليحاسبَنَا عليها قال تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، وهذا مِن شأنِهِ أنْ يُحيي الضمير، ويزيدَ مِن إحساسِنَا بالمسئوليةِ، فعلينَا أنْ نُراقبَ اللهَ في أعمالِنَا، وفي حالِ التزامِنَا بما كلّفَنَا بهِ من واجباتٍ، ولنعلمَ أنّ أفعالَنَا مسجلةٌ ومُحصاةٌ «يا عِبَادِي إنَّما هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فمَن وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ، فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ». (مسلم) .

وقد ضربَ لنا المربِى والمعلمُ الأعظمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثلًا عمليًا في تدريبِ الأبناءِ على إتقانِ العملِ، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ مَرَّ بِغُلَامٍ يَسْلُخُ شَاةً، فَقَالَ لَهُ: «تَنَحَّ حَتَّى أُرِيَكَ، فَإِنِّي لَا أَرَاكَ تُحْسِنُ تَسْلُخُ، قَالَ: فَأَدْخَلَ رَسُولُ اللَّهِ يَدَهُ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ، فَدَحَسَ بِهَا حَتَّى تَوَارَتْ إِلَى الْإِبْطِ، ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَكَذَا يَا غُلَامُ فَاسْلُخْ، ثُمَّ انْطَلَقَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَلَمْ يَمَسَّ ماء» (ابن حبان)، لم يستكبرْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْ يقفَ مع الغلامِ، ويساعدَهُ في عملِهِ، ويذللَ لهُ الصعابَ، ويعلمَهُ ما خفي عليه من إتقانِ السلخِ، إنّها مهمةُ المعلمِ، وإحساسُ المربِي بمسئوليةِ الإرشادِ الدائمِ والتقويمِ المستمرِّ في كلِّ وقتٍ وحينٍ، فيا حبّذَا لو أتقنَ الإنسانُ عملًا واحدًا تميزَّ به وشاعَ عنه أنّه رائدُهُ، وأنّه علامةٌ مسجلةٌ فيه، بدلَ ممارستِهِ أعمالًا عدةً قد تصنفُهُ في عِدادِ الفاشلينَ، وتضعُهُ في نطاقِ المقصرينَ المهملينَ، وانفرادُ بعضِ العلماءِ بتخصصٍ معينٍ أكبرُ شاهدٍ على ذلك .

كما أنّ الإتقانَ لم يقتصرْ على جانبِ الأعمالِ الدنيويةِ فحسب، بل شملَ أمورَنَا التعبديةَ كالصلاةِ والصيامِ والزكاةِ والحجِّ ... الخ، فالإنسانُ المتقنُ في أخلاقِهِ هو الذي يتخلقُ بالأخلاقِ العاليةِ، ويترفعُ عن الأعمالِ الدنيئةِ، وها هو نبيُّنَا يعلمُنَا الإتقانَ في الصلاةِ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، فَرَدَّ رَسُولُ اللهِ السَّلَامَ قَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَرَجَعَ الرَّجُلُ فَصَلَّى كَمَا كَانَ صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ ثُمَّ قَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا عَلِّمْنِي، قَالَ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا». (مسلم) .

فما أجملَ أنْ يُضَمَّ إلى العملِ إتقانُهُ وجودتُهُ حتى يتحققَ الرخاءُ، وتعمَّ التنميةُ، وننعمَ بالرفاهيةِ، وصدقَ القائلُ: بِقَدْرِ الْكَدِّ تُكْتَسَبُ المعَالِي * ومَنْ طلبَ العُلا سَهرَ اللَّيالِي

ومَن طلبَ العُلا مِن غيرِ كَدٍّ * أَضَاعَ العُمْرَ في طلبِ الْمُحَالِ

نسألُ اللهَ جلَّ وعلا أنْ يجعلَ بلدنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، وأنْ يستعملَنَا في خدمةِ دينِنَا ووطنِنَا، وأنْ يوفقَ ولاةَ أُمورِنَا لما فيه نفعُ البلادِ والعبادِ .

خطبة الجمعة الإسلام أمر بالعمل وإتقانه مطلب ومقصد شرعي