الأسرةُ سكنٌ ومودةٌ عنوان خطبة الجمعة غداً


اعلنت وزارة الأوقاف عن خطبة الجمعة المقررة غداً تحت عنوان "الأسرةُ سكنٌ ومودةٌ" وتتناول عناصر الخطبة أهمية الأسرة فى الإسلام ، والأسرة سكن ومودة ودور الأسرة فى الحفاظ على المجتمع.
اقرأ معى عزيزى القارئ خطبة الجمعة للشيخ طه ممدوح فإلى نص الخطبة:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، القائلِ في كتابهِ العزيزِ: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنّ سيدَنَا ونبيَّنَا محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفيُّهُ مِن خلقهِ وخليلُهُ، اللهم صل وسلمْ وباركْ عليه، وعلsي آلهِ وصحبهِ، ومن تبعهُم بإحسانٍ إلي يومِ الدين.
وبعــــدُ:
أولاً: أهميةُ الأسرةِ في الإسلامِ
الأسرةُ هي اللبِنةُ الأساسيةُ في تكوينِ المجتمعِ، فمِن مجموعِ الأُسرِ يتكونُ المجتمعُ، وبالتالي فإنّ صلاحَهَا صلاحٌ له، وفسادَهَا إفسادٌ للمجتمعِ، وبقوةِ الأسرِ قوةٌ ودعمٌ للمجتمعِ، وبضعفِهَا ضعفٌ له، لذلك اهتمَّ الإسلامُ اهتمامًا كبيرًا في تلك اللبنةِ، وجعل لها شأنًا عظيمًا، ومقامًا جليلًا، وفيما يأتي بيانُ الأمورِ التي جعلتْ للأسرةِ في الإسلامِ تلك الأهمية.
وتظهرُ أهميةُ الأسرةِ ومكانتُهَا العظيمةُ مِن خلالِ ما يلي:
1- تلبيةُ الأسرةِ لحاجتِهَا الفِطريةِ، وضروراتِهَا البشريةِ، والتي تكونُ موافِقةً لطبيعةِ الحياةِ الإنسانيةِ، مثل: إشباعُ الرغبةِ الفطريةِ، وهي الميلُ الغريزيُّ في أنْ يكونَ له ذُريّةٌ ونَسْلٌ، وإشباعُ حاجةِ الرجلِ إلى المرأة وعكسها، وإشباعُ الحاجاتِ الجسميةِ، والمطالبِ النفسيةِ، والرُّوحيةِ والعاطفيةِ.
2- تحقيقُ معانٍ اجتماعيةٍ لا يمكن أنْ تتحقَّق إلا من خلال الأسرةِ، مثل: حفْظُ الأنسابِ، والمحافظةُ على المجتمعِ سليمًا من الآفاتِ والأمراضِ النفسيةِ والجسميةِ، وتحقيقُ معنى التكافُلِ الاجتماعيِّ.
3 - يغرِسُ الإسلامُ الفضائلَ الخُلُقيَّةَ والخِلالَ الحميدةَ في الفردِ والمجتمعِ ، وذلك من خلالِ ما جاءَ في القرآنِ الكريمِ والسُّنةِ النبويةِ، لذا أسَّسَ الأسرةَ واعتنى بها، حتى تَنشأَ نشأةً قويةً مُتماسِكةً، إذ يقومُ بناءُ الأسرةِ في القرآنِ الكريمِ على أُسسٍ ثابتةٍ، أهمهَا: أ- أنّ أصلَ الخَلْقِ واحدٌ، وأنّ الرجلَ والمرأةَ من منشأٍ واحدٍ،
قال اللهُ تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ (النساء: 1).
ب ـ تقومُ الأسرةُ على العدالةِ والمساواةِ لكلِّ فردٍ من أفرادِهَا بما لهُ مِن حقوقٍ، وما عليه مِن واجباتٍ، قال اللهُ تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ (البقرة: 228)، ففي الأسرةِ تكونُ العدالةُ والمساواةُ بحُسنِ العشرةِ وترْكِ الضرارِ بين الزوجين، وكذلك إقامةُ العدلِ والمساواةُ بين الأولادِ، وتقومُ الأسرةُ على مبدأِ التكافلِ الاجتماعيِّ والتعاونِ بين جميع أفرادِهَا، لذا شُرِعتْ أحكامُ النفقاتِ والميراثِ والوصيةِ.
فتتَّضِحُ أهميةُ الأسرةِ في الشريعةِ الإسلاميَّةِ من خلالِ اهتمامِهَا "بوضعِ الضماناتِ التي تُمكِّنُ الأسرة مِن أنْ تكونَ الأساسَ الصالحَ والتُّربةَ الطيبةَ التي تَمنحُ المجتمعَ الإسلاميَّ كلَّ مقوماتِهِ"، فالأسرةُ الصالحةُ كالتربةِ الصالحةِ، إنْ صَلَحتْ صلَحَ نباتُهَا، وإن فسَدَتْ فسَدَ نباتُهَا، كما أنّ في الأسرةِ إشباعًا للنزوعِ الوِجدانيِّ إلى الأمنِ والسكنِ.
ثانياً: الأسرةُ سكنٌ ومودةٌ
تقومُ الأسرةُ على تحقيقِ المودةِ والرحمةِ لإقامةِ المجتمعِ والأفرادِ المتماسكين ذوي الفضلِ، قال تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم: 21)، نعمْ ليسكنَ إليها، ولم يقلْ ليسكنَ مَعَها، بل قال عزّ وجلّ: (ليسكنَ إليها)؛ ليُحققَ معنى الاستقرارِ في السلوكِ، والهدوءِ في الشعورِ، ويُحققَ الطمأنينةَ بأسمى معانيهَا، فكلٌّ مِن الزوجين يجد في صاحبهِ الهدوءَ عند القلقِ، والبشاشةَ عن الضيقِ، بعد ذلك تقعُ السعادةُ والطمأنينةُ والراحةُ مواقعهَا.
إنّ أساسَ العلاقةِ الزوجيةِ الصحبةُ والاقترانُ القائمان على الودِّ والأنسِ والتآلفِ، إنّ هذه العلاقةَ عميقةُ الجذورِ، بعيدةُ الآمادِ، متينةٌ متماسكةٌ مترابطةٌ متداخلةٌ، إنّها أشبهُ ما تكونُ بصلةٍ للمرءِ بنفسهِ، بيَّنَها ربُّنَا -عزّ وجلّ- بقوله: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) (البقرة: 187)، فضلًا عما تُهيِّئُه هذه العلاقةُ من تربيةِ البنين والبناتِ، وكفالةِ النشءِ التي لا تكونُ إلا في ظلِّ أمومةٍ حانيةٍ، وأبوةٍ كادحةٍ، وأسرةٍ متفاهمةٍ، وبيئةٍ صالحةٍ تقيةٍ زكيةٍ.
إنّ العلاقةَ بين الزوجين ليستْ علاقةً دنيويةً ماديةً، ولا شهوانيةً فقط، إنّها علاقةٌ روحيةٌ كريمةٌ، وحينما تصحُّ هذه العلاقةُ وتصدُقُ هذه الصلةُ، فإنّها تمتدُّ إلى الحياةِ الآخِرةِ بعدَ المماتِ، (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ)(الرعد: 23)، وإنّ ممَّا يحفَظُ هذه العلاقةَ ويحافظُ عليها المعاشَرةُ بالمعروفِ، ولا يتحقَّقُ ذلك إلا بمعرفةِ كلِّ طرفٍ ما له وما عليه.
كيف تكونُ الراحةُ؟ وكيف يحصلُ السكنُ والمودةُ؟ وكيف تتحققُ الطمأنينةُ والسعادةُ إذا كان أحد الزوجين في البيتِ ثقيلَ الطبعِ، سيئَ العشرةِ، ضيقَ الأُفُقِ، يغلبُهُ حمقٌ، ويعميهِ تعجُّلٌ، بطيءً في الرضا، سريعًا في الغضب، إذا دخلَ فكثيرَ المنِّ، وإذا خرجَ فسيئَ الظنِّ، وقد عَلِمَ أنّ حُسْنَ العِشرةِ وأسبابَ السعادةِ لا تكونُ إلا في اللِّين، والبعدِ عن الظنونِ والأوهامِ التي لا أساسَ لها.