26 أبريل 2024 02:56 16 شوال 1445
بوابة الكلمة رئيس التحرير محمد خضر
مقالات

جماعة الدم الحلقة ( ١١ )

عبدالناصر محمد يكتب: سكين ”حرافيش” الإخوان فى رقبة الأديب العالمى نجيب محفوظ

بوابة الكلمة

مع بداية عام ١٩٩٠ وبمجرد أن وطأت بقدمى كلية الآداب جامعة عين شمس حين كنت طالبا بالفرقة الثانية ووقتها كنت عضوا منتسبا مخدوعا فى جماعة الإخوان فوجئت بالأخ فهمى رمضان رئيس خلية الشرابية ومقرر أسرة " الرسالة " الإخوانية بالكلية ينتظرنى بشغف قبل دخول محاضرة التاريخ البطلمى للأسطورة الدكتور إبراهيم نصحى ليخبرنى بإجتماع عاجل الليلة بالمقر السرى الكائن فى ٦ حارة مهدى بالشرابية عقب صلاة المغرب.

وفى ليلة شتوية ذهبت فى الموعد المحدد إلى المقر وكان حاضرا الإجتماع مجموعة من الأخوة من بينهم الأخ أيمن عبدالرؤوف هدهد الذى تولى منصب مستشار الرئيس للأمن القومى فى عام إستيلاء الإخوان على حكم مصر.

فى بداية الإجتماع طرح فهمى رمضان سؤالا على الحضور حول آرائهم فى الأديب نجيب محفوظ والذى حصل على جائزة نوبل عام ١٩٨٨ وعما إذا كان أحدنا قد قرأ أيا من رواياته.. جميعنا يعلم أنه أديب كبير ولكن هناك من يقول أنه كافر ولكنى بإعتبارى الوحيد الذى قرأ بعض رواياته فقد تحدثت عن فكره الواقعى الذى كان يتميز به محفوظ.

قاطعنى رمضان سائلا : هل تسمع عن رواية أولاد حارتنا ؟

قلت : نعم ولكنها ممنوعة من النشر ولا توجد لها طبعة بالسوق لأنها تؤكد الفكر الإلحادى الذى يؤمن به الروائى نجيب محفوظ.

قال: تعرفوا إن المسئولين عن نوبل وكلهم كفار أعطوا الجائزة لمحفوظ لأنه ملحد وأن رواية أولاد حارتنا أول رواية ذكرت فى أسباب اختياره للجائزة مع الثلاثية ورواية الحرافيش.

*" كلمتنا "

اقترب أذان العشاء موعد فض الاجتماع وزع علينا فهمى رمضان قبل الإنصراف كتاب " كلمتنا.. فى أولاد حارتنا " لمفتى الإرهاب الشيخ عمر عبدالرحمن والذى أعلن فيه صراحة كفر وإلحاد نجيب محفوظ لقيامه بتجسيد رب العزة فى رواية أولاد حارتنا وأطلق عليه إسم " الجبلاوى " فضلا عن تجسيد جميع الأنبياء.

وفى تلك الفترة شعرت بأرق شديد وسيطرت على وجدانى الكثير من علامات الإستفهام المغلفة بحيرة شديدة وأحسست بأن الأمر لا يخلو من الريبة بل ويدعو للقلق خاصة حين عدت بذاكرتى لبضع سنوات وتحديدا فى أكتوبر ١٩٨٧ حين حضرت مؤتمرا إخوانيا موسعا عقد فى دار الحكمة " نقابة الأطباء وكان يحضره محمد أبو النصر المرشد العام للإخوان فى ذلك الوقت وفى حضور لفيف من أقطاب الإخوان من بينهم مصطفى مشهور ومحمد مهدى عاكف وكلاهما تولى منصب المرشد فيما بعد.

وفى المؤتمر تحدث أحد قيادات الجماعة وهو حامد حسن عن الدور التنويرى للجماعة فى إثراء الفكرية والأدبية مشيرا إلى قيام الإخوان بإنشاء كبرى المطابع لأحد عناصرها المؤمنين برسالة الجماعة وهو الأديب عبدالحميد جودة السحار وهى مطبعة دار مصر والتى لعبت دورا فى الحركة الوطنية وساندت كثير من الكتاب الروائيين ومن بينهم الأديب نجيب محفوظ حيث قامت بطبع رواية " أولاد حارتنا " عام ١٩٥٩ ولكن نظام الطاغية " عبدالناصر " قام بمصادرتها.

وذكر حامد حسن أيضا أن الشهيد سيد قطب كانت تربطه علاقة وطيدة بمحفوظ وكتب مقالا عن لمساته البديعة التى وضعها فى دنيا الرواية وعقب إستشهاده فى سجون عبدالناصر تأثر محفوظ بشدة بهذا الحدث وجسد شخصية سيد قطب فى رواية " المرايا " من خلال شخصية بطلها الذى أطلق عليه إسم عبد الوهاب إسماعيل ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أخذ يهاجم عهد جمال عبد الناصر مجاملة للإخوان وبدا ذلك واضحا فى العديد من الروايات لدرجة تجاوز حد الهجوم وبلغ حد الإفتراء على هذا العهد وذلك فى روايات الكرنك والمرايا وميرامار وثرثرة فوق النيل والحب تحت المطر كلها روايات تتضمن إسقاطات وسخرية على حكم عبدالناصر وعلى عبدالناصر نفسه.

*علامات إستفهام

علامات إستفهام وحيرة سيطرت على وجدانى فى تلك الفترة .. اليوم نكفر نجيب محفوظ بسبب رواية أولاد حارتنا التى كنا نتباهى بطباعتها عام ٥٩ على الرغم من أن الرواية حين تم نشر بعض فصولها خلال الفترة من سبتمبر إلى أول ديسمبر ١٩٥٠ بجريدة الأهرام أيام العهد الملكى و بعد كتابتها بنحو عامين تم إيقاف نشرها بسبب إعتراضات شعبية وهيئات دينية بسبب تطاوله على الذات الإلهية والأنبياء دون أى إعتراض من جانب الإخوان بل لقد كان من بين سهام الهجوم الموجهة إلى صدر عهد عبدالناصر من جانب الإخوان أنه رفض نشر رواية الأديب نجيب محفوظ وقام بسحبها من السوق حين تم نشرها فى مكتبة دار مصر بل أن عبدالناصر أرسل إليه حسن صبرى الخولى الممثل الشخصى له والذى حصل على وعد من محفوظ بعدم محاولة طباعتها ثانية فى مصر وذلك بعد مصادرتها عام ٥٩ بعد طبعها فى مكتبة دار مصر التى يملكها الإخوانى الأديب عبدالحميد جودة السحار.

*حل اللغز

داخل أروقة الإخوان أصبح نجيب محفوظ حديث الجميع لفترة طويلة ومازالت علامات الاستفهام تراودنى إلى أن تم إختيارى مع مجموعة من الشباب لحضور لقاء مفتوح مع عدد من أقطاب الإخوان وتحدث عمر عابدين المسئول الأول عن الشباب حول ضرورة تطهير المجتمع المسلم من العناصر الملحدة وغير المتمسكة بالدين الصحيح.

وفجأة صب عابدين جام غضبه على نجيب محفوظ وشرح كيف تحول الأديب عقب حصوله على جائزة نوبل وكيف أصبح رجل دولة وأنه وصل به الحد إلى التطاول على الجماعات الإسلامية خاصة وبدأ ذلك واضحا فى تعليقه على محاولة إغتيال الظالم زكى بدر فى ١٦ ديسمبر ١٩٨٩ عند كوبرى الفردوس بكوبرى القبة.

وهنا بدأت حيرتى تتبدد وتتلاشى علامات الإستفهام فهذا هو مبدأ الجماعة التى ترفع شعار التخلص من كل من يكشف زيفها وينتقد فكرها ولا يؤيد دمويتها .. وبدا التحريض على قتل محفوظ واضحا تماما من خلال كل عمليات التهيئة التى تقوم به الجماعة حتى نشيع نحن أن الكاتب ملحد وخارج عن الدين وأن إقامة الحد عليه أصبح واجب شرعى .. كل هذه الدموية جعلتنى أقرر الفرار من ذلك الخندق الذى يسعى لتدنيس أفكارنا خاصة وأن لدى قناعة بأن الفكر لا يحارب إلا بالفكر.

*آيات شيطانية

نعم هدأت العاصفة ولكنها سرعان ما عادوت الظهور مرة أخرى خاصة حين صرح محفوظ عقب محاولة إغتيال حسن الألفى وزير الداخلية فى صيف عام ١٩٩٣ أمام الجامعة الأمريكية بالتحرير بأن الجماعات الإرهابية ترتدى ثوب الدين وتاريخها ملوث بدماء الأبرياء.

وإشتعلت الأوساط الإخوانية وإزدادت سخونة حين قام الكاتب الإيرانى سلمان رشدى بتأليف رواية " آيات شيطانية " وأصدر عمر عبدالرحمن فتوى بتكفيره ومن ثم كان الأمر بوابة لإعادة إحياء فكرة الشيطان لإغتيال نجيب محفوظ فتم صدور فتوى أخرى من عمر عبدالرحمن بإستباحة دم محفوظ لأنه ألف رواية أولاد حارتنا!!

ولا شك أن إغتيال محفوظ يأتى فى إطار مؤامرة لتوصيل رسالة إلى العالم أجمع بأن شعب مصر دموى وأحمق غير متحضر لا يحترم رموزه ومفكريه فضلا عن أن قتله سوف يؤكد على عدم توافر الأمن فى مصر بما ينعكس بالسلب على حركة السياحة التى كانت تدر دخلا كبيرا فى ذلك الوقت.

بالفعل تم تكوين خلية من بعض العناصر التابعة لجماعة الجهاد " الإبن الشرعى للإخوان " وقام أثنين منهما وهما محمد ناجى ومحمد خضر المحلاوى بإنتظار الأديب أسفل العمارة التى يسكن فيها بحى العجوزة بالقرب من مستشفى الشرطة .. ظهر محفوظ مترجلا ومتجها نحو سيارة كانت تنتظره وهى سيارة صديقه د. محمد فتحى حيث كانا متجهين إلى كازينو قصر النيل لحضور صالون ثقافى وحلقة نقاشية .. ركب محفوظ السيارة وإذا بالعنصر محمد ناجى يقترب منه ظن الأديب أنه يريد أن يسلم عليه ففتح نافذة السيارة فإذا بالإرهابى يضع سلاحا أبيضا " سكينا " فى رقبة الأديب العالمى نجيب محفوظ ولولا العناية الإلهية للقى محفوظ حتفه وقد صدر حكما بإعدام محمد ناجى والمحلاوى بالإضافة إلى حبس ١٣ عنصرا آخرا.

عبدالناصر محمد يكتب سكين ”حرافيش الإخوان فى رقبة الأديب العالمى نجيب محفوظ