24 أبريل 2024 07:42 15 شوال 1445
بوابة الكلمة رئيس التحرير محمد خضر
مقالات

مدحت شنن يكتب: برمجة العقل الباطن

بوابة الكلمة

في كل يوم تطالعنا الصحف, تبث وسائل الإعلام بفضائح وجرائم عصية على كل سوي, غريبة على فطرة الإنسان, هذه الوقائع كشفت حقيقة أرواحنا المهترئة, وعقولنا الباطنة التي تمرست على القبح, بسبب مشاغل الدنيا وصراعاتها ومحنها, التي سلبتنا موهبة الحب, وشنقت أحلامنا بواقع صادم, فجعلتنا نلتحف بالعذاب, ونرى الأفق أسود, ضيق بلا أبواب.

ومن ثم صارت الحاجة ملحة, لبرمجة عقلنا الباطن على الإيجابية والنفع, حتى نُلجم ثورة تلك الممارسات التي شرعت في التهام حضارة الإنسان.

والعقل الباطن هو الجزء الذي يُخزن المعلومات ويُعيدها إلى العقل الواعي عند الحاجة إليها, ومن ثم فهو المحرك الحقيقي للأحداث, والموجه لسلوكياتنا, بحسب التجارب السابقة التي يُخزنها, حيث يقيس عليها ثم يُحدد - في كثير من الأوقات - ردة الفعل دون أن يستشير الوعي.

من أجل ذلك كانت برمجته غاية مهمة, في طريق إعادة الإنسان إلى رشده, غير أن تلك الغاية تحكمها قوانين يعمل العقل الباطن في إطارها, فكل ما تفكر فيه يتسع وينتشر من نفس نوعه ويُضيف إليه كل ما هو مثله, فلو فكرت في الحقد سيتسع الحقد ويُضيف عليه الكره, فيتولاك التوتر, وتركيزك في شيء يجعل عقلك يلغي ما دونه ليفسح المجال لتعطيه حقه في التركيز, فإذا ركزت على السعادة فسوف تغمرك الإيجابية, وسيلغي عقلك كل ما يدعو إلى التعاسة.

إن نظرتك للعالم الخارجي هي انعكاس لما بداخلك, , ذلك لأن الحياة انعكاس لأفكارنا ومعتقداتنا, فإذا أردت عالما جميلا اجعل ما بداخلك إيجابيا, وتأكد أن كل ما تفكر فيه ينجذب إليك, وكل ما تعتقد فيه سيتحقق مهما تأخرت النتيجة, فالاعتقاد هو القوة الراسخة التي تدعم الأفكار التي تختارها وتحقق النتائج وتجعل حياتك مرآة لفكرك.

وتذكر أن النتيجة من جنس الفعل, فلو أردت أن تكون ناجحا فافعل كل ما يقربك من النجاع, ثق بنفسك واجعل الأمل مدادا لجهدك, حينها ستبلغ وتنتصر.

إننا في حاجة إلى التمرس على الإيجابية, وذلك لن يتحقق إلا بالتكرار, تلك الطريقة القادرة على برمجة العقل الباطن نحو الأفضل, فتعلم الشيء واتقانه يولد من رحم التكرار, حيث تتراكم المهارات في الملفات الذهنية الخاصة بها وتساعد الإنسان على التقدم والتطور.

وتلك قاعدة نفسية معتبرة "إن ما تمارسه يوميا سوف تتقنه بكفاءة عالية", فعندما تمارس الكره ستكره كل شيء, تعاني نزيفا داخليا, تصبح سجين قفصك الصدري, شرايينك مسدودة وقلبك يطفح غلا, عاجز عن التواصل مع الآخر.

وعندما تمارس الغضب ستثور لأتفه الأسباب, ومن ثم فأرواحنا في حاجة لممارسة الطمأنينة لتنعم بالسكينة, وقلوبنا في حاجة لممارسة الحب لتفيض سعادة, وأمنياتنا في حاجة لممارسة الأمل لتُحقق الإنجاز, وجهودنا في حاجة للثقة بأنفسنا لتبلُغ النجاح.

لذلك نحن في حاجة لأن نسمح لمشاعرنا أن تنمو تجاه كل ما هو إيجابي, وأن تبتعد عن الرؤى السلبية التي تتلاعب في خيالنا وتمزق حبال أعصابنا, وذلك لن يتحقق إلا إذا استمرينا في تخيل أحلامنا وتصورها حتى تصبح شاخصة على أرض الواقع, وفكرنا في كل جميل لينطبع أثره بداخلنا فنرى ما حولنا يفيض جمالا.

لابد وأن نقطع الطريق على الأفكار السلبية, لأنها بمثابة زحف مغولي لا يرحم, يهدم النفس ويحرق الروح ويجمد القلب ويقتلع الأمل من جذوره.

نحتاج فيض حب من نبع رائق, حتى لا نتضاءل كقطرة ماء في متاهة بحر, أو نصبح دمى خشبية تحركها خيوط القبح من وراء ستار المسخ, فالحب قرار, والسعادة قرار والكره قرار, والتعاسة قرار, فاصنع قرارا يعبر عن داخلك, حينها سترى الدنيا بعين قرارك, وراقب عاداتك لأنها مرآة شخصيتك التي ستحدد مصيرك, وتذكر أنه لا قيمة لوجه جميل بروح خبيثة.

مدحت شنن يكتب برمجة العقل الباطن