26 أبريل 2024 02:03 16 شوال 1445
بوابة الكلمة رئيس التحرير محمد خضر
مقالات

أحمد سليم يكتب: سلطنة التلاوة

بوابة الكلمة

فى قريتنا بوسط الدلتا وفى سن مبكرة بدأت علاقتى بالراديو والإذاعة وهواية الاستماع كأبناء جيل الخمسينيات، كانت أجهزة الراديو قليلة جدًا فى القرية وكان دخول أحدها لمنزل يماثل امتلاك سيارة حديثة جدًا اليوم.

فى حجرة جدى رحمه الله ذلك الرجل الذى يهابه الجميع كان أبناؤه وأعمامى من أولاد إخوته يقفون. تقريبًا على أطراف أصابعهم على باب حجرته ولكن.

كنت الوحيد الذى يدخل تلك الحجرة الفخمة ذات السقف الذى يرتفع خمسة أمتار تتدلى منه نجفة، فى ذلك الوقت كان يتم إنزالها لإضاءتها فلم تكن الكهرباء قد وصلت إلينا.

على أحد الجدران لوحة زيتية. رسمت كجدارية وفى المقابل كان الراديو ذلك الجهاز الساحر فى حجم تليفزيون وله بطارية كبيرة وبه لمبات تضىء والصوت يخرج منه واضحًا رائعًا.

أكتب لكم من أوائل الستينيات وكان جدى حريصًا على سماع تلاوات المشايخ الكبار أو سلاطين التلاوة فى ذلك الوقت. تعلقت اذنى بتلاوات القرآن من ذلك الوقت، كان جدى يجلس مساء ليستمع لهم وأنا أفعل كما يفعل هو.

غادرنا الجد فى سنين الطفولة المبكرة وانتقلنا إلى بيت جديد. صغر حجم الراديو وتحولت البطارية إلى حجارة، كما ظهر راديو الترانزستور الصغير ذلك الساحر الجديد فى عالمى الصغير. كما بدأت علاقتي بسلطنة التلاوة تختلف، فتعلقت بتلاوتين إحداهما قرآن الفجر للشيخ إسماعيل عامر الذى كان يعقبه بإنشاد دينى، وبتلاوة الجمعة للشيخ سليم المرسى، وبدأت مرحلة تذوق الأصوات والتعلق بالقراء بعد ذلك.

كان الشيخ مصطفى إسماعيل هو الأقرب لأعرف عنه الكثير، فهو ابن قرية ميت غزال القريبة جدًا من قريتنا، فرأيت منزله وحضرت بعض زياراته لقريته، وكان الشيخ محمود خليل الحصري الشيخ الثانى الذى أتاحت لى الظروف أن أعرف عنه أيضًا الكثير، فهو ابن قرية أخوالى شبرا النملة. وبدأت أتابع دولة التلاوة وسلاطينها المنشاوى والبنا والطبلاوى وقبلهم قيثارة السماء محمد رفعت

فى الستينيات كان جيلنا وما سبقه من أجيال سواء فى مصر أو العالم العربى أو الإسلامى لا يعرفون سوى قراء مصر، وكان ظهور أحدهم فى أى دولة هو الحدث المهم، فلا ينسى العرب تلاوات القراء المصريين فى الحرمين، ولا ينسى الأفارقة إسلام قبائل على يد قراء آخرين.

ظل كرسى سلطنة التلاوة فى مصر حوالى الخمسين عامًا وكان قراء القرآن المصريون ذراعًا مهمًا من أذرع القوى الناعمة المصرية.

تراجعت بعد المكانة ليس لتراجع قوة وجمال الأصوات ولكن لدخول الإعلام والمال فى التسويق لقراء الخليج واليوم يأتى دور الإذاعة المصرية لإعادة تلك المكانة بإذاعة جواهر القراءات القديمة واكتشاف أصوات جديدة.

أحمد سليم يكتب سلطنة التلاوة