20 أبريل 2024 15:27 11 شوال 1445
بوابة الكلمة رئيس التحرير محمد خضر
أخبار وتقارير

خطبة الجمعة| اغتنام الأوقات ومخاطر إضاعتها

بوابة الكلمة

أشارت وزارة الأوقاف المصرية إلى أن خطبة الجمعة اليوم 31 ديسمبر 2021م تحت عنوان "اغتنام الأوقات ومخاطر إضاعتها" وأكد الوزارة على جميع الأئمة الالتزام بموضوع الخطبة نصًّا أو مضمونًا على أقل تقدير، وألا يزيد أداء الخطبة على عشر دقائق للخطبتين الأولى والثانية مراعاة للظروف الراهنة

وتشير خطبة الجمعة اغتنام الأوقات ومخاطر إضاعتها إلى أهميةُ الوقتِ في الإسلامِ مبينة الوقتُ في القرآنِ الكريمِ ، والصحابةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم والوقتُ ، مشيرة إلى ما يُعينُ الخلقُ على استغلالِ أوقاتِهِم.

نص الخطبة

الحمدُ للهِ حمدًا يوافِي نعمَهُ، ويكافِىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أما بعدُ ،،،

(1) أهميةُ الوقتِ في الإسلامِ: إنّ الوقتَ هو رأسُ مالِ الإنسانِ في هذه الحياةِ، ومَن فرّطَ في وقتِهِ ولم يستغِلَّهُ على الوجهِ الأمثلِ يكونُ قد خسرَ خُسرانًا كبيرًا، وحُرمَ أجرًا عظيمًا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ» (البخاري)، فالخاسرُ لوقتِهِ إنَّما هو مغبونٌ كالذي يبيعُ سلعتَهُ بأقلِّ مما تستحقُ، أو يشترِيهَا بأكثرِ مما تستحقُ، ولذا أَوَّلُ مَا يُسْألُ عَنْهُ الْعبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْوَقْت، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ» (الترمذي)، و عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ» . (الْحَاكِم)، والمتأملُ الآنَ يجدُ أنّ الأيامَ تتسارعُ، والأزمنةَ تتلاحقُ مصداقًا لقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، فَتَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَيَكُونَ الشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ، وَتَكُونَ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ، وَيَكُونَ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَتَكُونَ السَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ الْخُوصَةُ» . (أحمد)، وكلُّ شيءٍ مِن حول الإنسانِ يذكرُهُ بقيمةِ الوقتِ الذي يعيشُهُ، فطلوعُ الشمسِ وغروبُهَا، والقمرُ الذي قدرَهُ اللهُ منازلَ، وحركةُ الكونِ بما فيهِ، فكلُّ هذه الأشياءِ تذكرُ العبدَ بقيمةِ الزمنِ الذي هو رأسُ مالِهِ، فهل شعرنَا بذلك، وهل قدمنَا من الأعمالِ ما يؤهلُنَا للفوزِ برضوانِ اللهِ يومَ القيامةِ، وما بهِ تعمرُ الحياةُ، وما به يُخَلدُ ذكرُنَا، وصدقَ القائلُ:

لا دارَ لِلمَرءِ بَعدَ المَوتِ يَسكُنُها ... إِلّا الَّتي كانَ قَبلَ المَوتِ بَانِيْهَا

فَإِن بَناها بِخَيرٍ طابَ مَسكَنُها ... وَإِن بَناها بَشَرٍّ خابَ بَانِيْهَا

لقد اختلفَ البشرُ في استغالالِهم للوقتِ، فمنهم مَن يضيعُ عُمرَهُ بحثًا عن شهوةٍ زائلةٍ فانيةٍ، ومنهم مَن يعمرُ وقتَهُ بالغيبةِ والنميمةِ والقيلِ والقالِ، وقليلٌ منهم مَن عرفَ قيمةَ وقتهِ، فحددَ هدفَهُ، وبذلَ جهدَهُ لتحقيقهِ، وعملَ على تحسينِ قدراتِهِ ومهاراتِهِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: «إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَالْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، وَمَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوَقَّهُ»

(2) الوقتُ في القرآنِ الكريمِ: لقد أولى القرآنُ الكريمُ أهميةً كبيرةً في الحديثِ عن الوقتِ، فجاءَ القسمُ بهِ في أكثرِ مِن موضعٍ، والعظيمُ إذا أقسمَ بشيءٍ دلَّ على عظمتِهِ، وضرورةِ العنايةِ بهِ، بل سمّى بعضَ السورِ ببعض ِالأوقاتِ؛ ليلفتَ الأنظارَ إلى ما تنطوِي عليه مِن حكمٍ وفوائدَ وأسرارٍ ك «سورةِ الجمعةِ» ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، فتلك الآياتُ تحملُ معانِيَ جمةً منها: ضرورةُ التوازنِ بين عمل ِالدنيا وعملِ الآخرةِ بحيثُ لا يؤثرُ أحدهُمَا على الآخرِ، فيعودَ بالسلبِ على الفردِ والمجتمعِ, و«سورةِ الفجرِ» التي افتتحَهَا اللهُ بالقسمِ بوقتِ الفجرِ، وجاءَ الجوابُ لينبهَ الإنسانَ على أهميةِ هذا الوقتِ فقال تعالى: ﴿هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ﴾ أي لذي عقلٍ سليمٍ ولُبٍّ قويمٍ يدركُ معنى هذا القسمِ, ثم أردفَ اللهُ القسمَ بما يدعو إلى التأملِ والتفكرِ في أحوالِ الأممِ السابقةِ وما حلَّ بها نتيجةَ إعراضِهَا وتكذيبِهَا لرسلِ اللهِ تعالى، ووقتُ الفجرِ وصلاتُهُ دعوةٌ للمسلمِ إلى النشاطِ والحيويةِ، وتركِ الكسلِ والبطالةِ فعَنْ صَخْرٍ الغَامِدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا» . (الترمذي وحسنه) .

ثم تأتي بعدَ «سورةِ الفجرِ» من حيثُ الترتيبِ المصحفيِّ من السورِ التي سُميتْ بأسماءِ ذاتِ دلالاتٍ زمنيةٍ «سورةُ الليلِ»، ثم تأتي بعدها «سورةُ الضحى»، ثم «سورةُ القدرِ»، ثم تختمُ ب «سورةِ العصرِ» والتي أقسمَ اللهُ فيها على أنّ الإنسانَ في خسرانٍ وبوارٍ إن لم يعمرْ وقتَهُ بالعملِ الصالحِ، وبما يبنِي ولا يهدمُ، ويصلحُ ولا يفسدُ، وبما يثمرُ وينتجُ قال تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ﴾، هذه ستُّ سورٍ من سورِ القرآنِ قد وردتْ بأسماءِ أوقاتِ أزمنةٍ: «الجمعةِ, الفجرِ, الليلِ, الضحَى, القدرِ, العصرِ» , وما هذا إلا أكبرُ دليلٍ وأعظمُ برهانٍ على أهميةِ الوقتِ في دينِنَا، وضرورةِ استغلالِهِ الاستغلالَ النافعَ والأمثلَ، كما أنّ القرآنَ يأمرُ رسولَنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدوامِ العملِ، وعدمِ التباطؤِ حتى لا يُهدرَ الوقتُ، ويضيعَ العمرُ سُدًى قال تعالى: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَب﴾

(3) الصحابةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَم والوقتُ:

لقد حرصَ الصحابةُ ومن سَارَ على نهجِهِم على استغلالِ أوقاتِهِم، فمنهم مَن اشتغلَ بالعلمِ والفتوى وتفقهِ الناسِ بأمورِ دينِهِم استجابةً

لقولِهِ تعالى: ﴿وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾، ومنهم مَن اشتغلَ بالقضاءِ والفصلِ بين الناسِ وقضاءِ مصالِحِهم، ومنهم مَن تفرغَ للعبادةِ، ومنهم مَن اشتغلَ بفتحِ البلدانِ ... إلخ ، وهكذا حاولُوا تنفيذَ الأوامرِ الإلهيةِ والوصايا النبويةِ التي رغَّبتْ في استعمالِ الوقتِ بما يفيدُهُم، ويعودُ عليهم بخيرَي الدنيا والآخرةِ، ولذا أُثرَ عنهم ما يدلُّ على ذلك يقُول ابْنُ عُمَرَ: «إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ» (البخاري) ، وقال ابْنُ مَسْعُودٍ: «إِنِّي لَأَمْقُتُ الرَّجُلَ أَنْ أَرَاهُ فَارِغًا لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ عَمَلِ الدُّنْيَا، وَلَا عَمَلِ الْآخِرَةِ»، ويقولُ أيضًا: «مَا نَدِمْتُ عَلَى شَيْءٍ نَدَمِي عَلَى يَوْمِ غَرَبَتْ شَمْسُه نَقَصَ فِيهِ أَجْلِي، وَلَمْ يَزْدَدْ فِيهِ عَمَلِي» . (ابْن أَبِي شَيْبَة) .

(4) ما يُعينُ الخلقُ على استغلالِ أوقاتِهِم: لقد تنوعتْ أسبابُ ضياعِ الأوقاتِ في حياةِ البشرِ خاصةً في هذا العصرِ الذي كَثُرَتْ فيه المُشْغِلاتُ، وطغتْ فيه المادياتُ، فتجدُ بعضَ الشبابِ ليس لديهم هدفٌ واضحٌ أو تخطيطٌ مسبقٌ مُعَدٌّ لأمورِ حياتِهِ، ومِن هُنَا تنشأُ العشوائيةُ واللامبالاةُ، والتسويفُ والتأجيلُ للأعمالِ، فيجدُ الإنسانُ نفسَهُ قد فاتَهُ قطارُ الزمنِ الذي لا تتوقفُ عجلتُهُ عن الحركةِ والسيرِ، وها أنا أُوجزُ في عُجالةٍ أهمَّ ما يعينُ المرءُ على استثمارِ وقتهِ، والانتفاعِ بعمرِه:

*محاسبةُ النفسِ وتذكرُ العرضِ على اللهِ: الإنسانُ منَّا يحتاجُ بصفةٍ دوريةٍ إلى محاسبةِ نفسِهِ، ومراجعَةِ حساباتِهِ، وليعلمَ أنّ كلَّ نَفَسٍ من أنفاسِ حياتِهِ جوهرةٌ نفيسةٌ يمكنُ أنْ يشتري بها نجاتَهُ في الآخرةِ، ولذا قال سيدُنَا عُمَرُ: «حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ، وَإِنَّمَا يَخِفُّ الحِسَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا»، فالذي ضيعَ مرحلةً معينةً من شبابِهِ فيما لا طائلَ منه عليه أنْ يستدركَ ما بقي من زمانِهِ قبلَ أنْ يطويَهُ الموتُ، فيندمَ على ما فرطَ في حقِّ اللهِ، وحقِّ نفسِهِ وأهلِهِ، «ولاتَ ساعةَ مندمِ»، وبقي وقتُ العرضِ والحسابِ، وليتفكرْ حين يقفُ الإنسانُ أمامَ ربِّهِ فيسألَهُ عن عمرهِ، كيفَ قضَاه؟ وفيمَ استغَلَّهُ؟ وبأيِّ شيءٍ ملَأَهُ ؟

*تنظيمُ الوقتِ والتخطيطُ الجيدُ: الواقعُ يؤيدُ أنّ الشخصَ عندما ينظمُ وقتَهُ، ويحددُ هدفَهُ، ويرتبُ أولوياتِه، ويخططُ لأعمالِه يكونُ أكثرَ إنجازًا من غيرِه، وأقربَ إلى توفيقِ ربِّهِ؛ لأنّه أخذَ بالأسبابِ، وتوكلَ على مسببِ الأسبابِ، والصحابةُ قد حرصُوا على إِعْطَاءِ مَا يَسْتَحِقُّ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمٍ لِمَا أَصْلُهُ التَّأْخِير، وَلَا تَأْخِيرٍ لِمَا أَصْلُهُ التَّقْدِيم، فحصلوا الأعمالَ الصالحاتِ، وفازوا بعلو الدرجاتِ يقولُ الصِّدِّيقُ: «يَا عُمَرُ، وَاعْلَمْ أَنَّ للهِ عَمَلًا بِالنَّهَارِ لَا يقْبَلُهُ بِاللَّيْلِ، وَأَنَّ للهِ عَمَلًا بِاللَّيْلِ لَا يَقْبَلُهُ بِالنَّهَارِ»، وعندما تقرأُ التاريخَ تجدُ ما هُو إلا سِيرَ رِجَالٍ عُظمَاءَ وعلماءَ أفذاذٍ منهم مَن عاشَ وقتًا قصيرًا، لكنّه خلَّفَ خلفَهُ ثروةً هائلةً من العلومِ ما زالنَا نستقِي منها إلى يومِنَا هذا،

وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقُولُ: «أَدْرَكْتُ أَقْوامًا كَانُوا عَلَى أَوْقَاتِهِمْ أَشَدَّ حِرْصًا مِنْكُمْ عَلَى دَرَاهِمِكُمْ وَدَنَانِيرِكُمْ»، فالبركةُ في العمرِ بحسنِ العملِ فيه، وليس بطولِهِ فعن نُفَيْعِ بْنِ الحَارِثِ قال: «أنَّ رجلًا قال يا رسولَ اللهِ أيُّ الناسِ خيرٌ؟ قال من طالَ عمُرهُ وحسُنَ عملُهُ، قال: فأيُّ الناسِ شرٌّ؟ قال: مَن طالَ عمُرهُ وساءَ عملُهُ» .

*تعميرُ وقتِ الفراغِ: إنّ وقتَ الفراغِ نعمةٌ يستوجبُ من العبدِ استغلالَهَا وسدَّهَا بما ينفعُهُ، فالإنسانُ لا يعرفُ بقيمتِهَا إلا عندما تُسلَبُ منه، ولذا يجبُ عليه ألا يدعَ وقتَ فراغِهِ يمرُّ دونَ تزويدِ رصيدِهِ من الأعمالِ الصالحةِ، فالنفسّ البشريةُ إذا لم تُشغلْ بالطاعةِ شُغلتْ بالمعصيةِ وما أصدقَ قولَ الإمامِ الشافعيِّ: «وإذا لم تشغلْ نفسَكَ بالحقِّ شغلَتْكَ بالباطلِ»، وقد وجهنَا دينُنَا إلى كيف يملءُ المسلمُ وقتَ الفراغِ، فعن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: «مَن سرَّهُ أن يُبسطَ لَه في رزقِهِ ، وأن يُنسَأَ لَه في أثرِهِ ، فليَصِلْ رَحِمَهُ» (البخاري) ، إلى جانبِ المحافظةِ على قراءةِ القرآنِ والأذكارِ الواردةِ عن النبيِّ المختارِ حيثُ لا تكلفُ المسلمَ مالًا ولا جهدًا، وعليه أيضًا أنْ ينوعَ في الأعمالِ التي يباشرُهِا؛ إذ النفسُ بطبيعتِهَا سريعةُ المللِ، وتنفرُ من الشيءِ المكررِ، وهذا منهجٌ نبويٌّ وأسلوبٌ تربويٌّ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَتَخَوَّلُنَا بِالمَوْعِظَةِ فِي الأَيَّامِ مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا» . (البخاري) .

* الصحبةُ الصالحةُ، والاطلاع على مسيرةِ العظماءِ: لا شكَّ أنّ مرافقةَ الصالحينَ، والجلوسَ بقربِ المتقين ينعكسُ إيجابًا على حالِ المقربينَ منهم، والعكسُ بالعكسِ، وقد جاءتْ الأحاديثُ النبويةُ تأمرُ بتخيرِ الصحبةِ، وانتقاءِ الصديقِ لمَا لَهُ مِن أثرٍ فعالٍ في مداوةِ كثيرٍ من الأمراضِ السلوكيةِ، كما يجبُ على المرءِ منَّا كُلَّمَا فترتْ عزيمتُه، وقَلَّتْ همتُهُ أنْ ينظرَ في حياةِ العظماءِ وكيف كانوا يديرون أوقاتَهُم بحرفيةٍ ومهارةٍ، ومَن علتْ همتُهُ لم يقنعْ بالدونِ، وعلى قدرِ أهلِ العزمِ تأتي العزائمُ، فهم خيرُ مَن أدركَ قيمةَ الوقتِ، وأهميةَ العمرِ .

نسألُ اللهَ جلّ وعلا أنْ يجعلَ بلدنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين،

خطبة الجمعة اغتنام الأوقات ومخاطر إضاعتها