25 أبريل 2024 21:01 16 شوال 1445
بوابة الكلمة رئيس التحرير محمد خضر
أخبار وتقارير

خطبة الجمعة| ”صفات المؤمنين في القرآن الكريم”

بوابة الكلمة

أشارت وزارة الأوقاف المصرية إلى أن خطبة الجمعة اليوم 24 ديسمبر 2021م تحت عنوان "صفات المؤمنين في القرآن الكريم"، وأكد الوزارة على جميع الأئمة الالتزام بموضوع الخطبة نصًّا أو مضمونًا على أقل تقدير، وألا يزيد أداء الخطبة على عشر دقائق للخطبتين الأولى والثانية مراعاة للظروف الراهنة

وتشير خطبة الجمعة صفات المؤمنين في القرآن الكريم وأن الإيمانُ باللهِ سبحانه وتعالى مِن أعظمِ النعمِ، موضحة أثرُ الإيمانِ علي الفردِ والمجتمعِ

نص الخطبة

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، القائلِ في كتابِهِ العزيزِ: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ)، وأشهدُ أن لا إلهَ إِلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنّ سيدَنَا ونبيَّنَا محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفيُّهُ مِن خلقِهِ وخليلُهُ، اللهم صلّ وسلمْ وباركْ عليه، وعلي آلِهِ وصحبِهِ، ومن تبعَهُم بإحسانٍ إلي يومِ الدينِ.

وبعــــدُ:

أولًا: الإيمانُ باللهِ مِن أعظمِ النعمِ

نعمُ اللهِ تعالى على عبادِهِ كثيرةٌ وفيرةٌ، لا تدخلُ تحتَ حدٍّ ولا حصرٍ، كما قال سبحانَهُ وتعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ )(سورة النحل18)، أي لا يُحْصِيهَا حاصٍ مهما بلغَ من دقةِ الإحصاءِ، وهي نوعان ظاهرةٌ تُدْرَكُ بالحسِّ كنعمةِ الحواسِّ الخمسِ مِن سمعٍ وبصرٍ وذوقٍ وشمٍ، ونعمةِ العقلِ ونعمةِ الصحةِ ونعمةِ المالِ وغيرِ ذلك.

وباطنةٌ لا تُعرفُ إلا بالإحساسِ الداخليِّ والشعورِ بالنعمةِ من غيرِ إدراكٍ لها، كنعمةِ الإيمانِ باللهِ تعالى، والهدايةِ للإسلامِ، والتلذذِ بالطاعةِ، وقد ذكَّرَنَا اللهُ تعالى بنوعي نعمهِ الظاهرةِ والباطنةِ كما في قولِهِ سبحانَهُ وتعالى: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً)(سورة لقمان 20)، ليحثَّنَا على شكرِهِ عليها.

وكثيرٌ من الناسِ يشكرونَ اللهَ تعالى على نعمهِ الظاهرةِ، فيصونون حواسَّهُم عن صرفِهَا في غيرِ ما أحلَّ اللهُ تعالى، ويستخدمُونَهَا فيما أمرَهُم أو ما أحلَّهُ لهُم، ويؤدونَ ما أوجبَ اللهُ تعالى عليهم فيها، من عباداتٍ بدنيةٍ أو ماليةٍ، أو مشتركةٍ بينهما، وذلك خيرٌ عظيمٌ، وهو سببٌ لحفظِ اللهِ تعالى لها معَهُم، كما يدلُّ لذلك قولهُ سبحانَهُ: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)(سورة إبراهيم 7)، أي أَعْلَمَ ربُّكُم بذلك، فشكرُ اللهِ على نعمهِ سببٌ لحفظِهَا وزيادَتِهَا، كما قالوا: الشكرُ قيدٌ للموجودِ وصيدٌ للمفقودِ.

أمّا النعمُ الباطنةُ فهي كثيرةٌ، وأجلُّهَا الإيمانُ باللهِ تعالى ، فالإيمانّ باللهِ مِن أعظمِ نعمِ اللهِ تعالي علي الإنسانِ، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَهُ:( بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)(الحجرات 17)، والإيمانُ باللهِ سبيلُ الوصولِ إلي الحياةِ الآمنةِ المطمئنةِ، والفلاحِ والأجرِ العظيمِ، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَهُ وتعالي:( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)(سورة النحل 97).

فمَن يعيشُ حياتَهُ في نعيمِ الإيمانِ والرضا بالملكِ الديانِ، ومحبةِ سيدِ ولدِ عدنانٍ صلى اللهُ عليه وسلم، فإنَّهُ يعيشُ سعادةَ الروحِ والنفسِ، يعيشُ محبًا لنفسِهِ وربِّهِ وغيرِهِ والكونِ الذي يعيشُ فيه، ولذلك قال صلى اللهُ عليه وسلم: «ذاقَ طعمَ الإيمانِ مَن رضِيَ باللهِ ربًّا، وبالإسلامِ دينًا، وبمحمدٍ رسولًا»(رواه مسلم).

ثانياً: صفاتُ المؤمنين

مثلُ الإيمانِ في قلبِ المؤمنِ كمثلِ الشجرةِ الطيبةِ، تُنبتُ أطيبَ الثِّمارِ، وإنّ العملَ الصالحَ هو ثمرةُ الإيمانِ الذي انغرستْ جذورُهُ في قلبِ المؤمنِ، يبلغُ به أقصى درجاتِ الفلاحِ، قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [المؤمنون: 1]، ثم فسَّرَ إيمانَهُم بجليلِ ما يعملون، وعظيمِ ما يكسبون، مما تتحققُ لهم به الغايةُ التي إليها يسعون وفيها يؤمِّلون، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ [المؤمنون: 2-9].

فذكرَ سبحانَهُ في طليعةِ أعمالِهِم الصالحةِ: خُشوعَهُم في الصلاةِ، قال الحسنُ البصريُّ رحمَهُ اللهُ: "كان خشوعُهُم في قلوبِهِم؛ فغضوا لذلك أبصارَهُم".

ثم ذكر سبحانَهُ من صفاتِ المؤمنينَ المفلحين: إعراضُهُم عن اللغوِ، وهو الباطلُ في مختلفِ ألوانِهِ، يصلُ إلى درجةِ الشركِ باللهِ، وينخفضُ إلى إتْيانِ كلِّ قولٍ أو فعلٍ لا فائدةَ فيه، أو على الإنسانِ منه نقصٌ في دينِهِ، يدخلُ في ذلك اللعنُ والشتائمُ القذرةُ، ويدخلُ فيه اللهوُ في كلِّ صورِهِ وأشكالِهِ.

وذكرَ سبحانَهُ من صفاتِ المؤمنين: قيامُهُم بإخراجِ زكاةِ أموالِهِم كيفما كانتْ الأموالُ ذهبًا أو فضةً، عروضَ تجارةٍ، أو سائمةً من الأنعامِ، أو ما يخرجُ من الأرضِ من حبوبٍ وثمارٍ، فالزكاةُ حقُّ المالِ، وفريضةٌ لا فضلَ في إخراجِهَا لصاحبِ المالِ، وهي طُهْرَةٌ ونماءٌ للمالِ، وخيرٌ وبركةٌ لصاحِبِه، وصلاحٌ وفلاحٌ لمجتمعِهِ.

وذكرَ سبحانَهُ من صفاتِ المؤمنين: عفَّتُهُم عن الحرامِ، وحِفْظُ فروجِهِم عن الوقوعِ في جريمةِ الزنا، وهوأخطرُ مرضٍ اجتماعيٌّ منيتْ به الإنسانيةُ، فهو إلى جانبِ جريمتِهِ على الأنسابِ، يفتكُ بالبشريةِ فتكًا ذريعًا؛ حيث يفشو فيها الزهريُّ والسيلانُ ومضاعفاتُهُمَا المهلكة، وكفى بالمرءِ زاجرًا عنه قولُ العليمِ الخبيرِ: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 32]، وقولُهُ: ﴿ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾؛ أي: مَنْ تطلَّعَ إلى غيرِ ما أحلَّهُ اللهُ له مِن الزوجاتِ والإماءِ مِن مِلْكِ اليمين - كأن تورَّطَ في الزنا - فقد اعتدى، وتجاوز َالحلالَ إلى الحرامِ.

وذكرَ سبحانَهُ وتعالى من صفاتِ المؤمنين: أداءُهُم للأماناتِ إذا ائتُمِنُوا، ووفاءُهُم بالعهدِ إذا عاهَدُوا، وأعظمُ الأماناتِ: فرائضُ اللهِ التي افترضَهَا على العبادِ، فهي كالودائعِ عليهم أنْ يُؤدُّوهَا حقَّ الأداءِ.

وختمَ سبحانَهُ صفاتِ المؤمنين المفلحين بِمُحَافَظَتهِم على الصلاةِ كما بدأَهَا بذلك؛ توجيهًا للأنظارِ إليها، وإلى ضرورةِ المُحافظةِ عليها؛ فهي أعظمُ وسائلِ الفلاحِ والنجاحِ، ثم ذكرَ عظيمَ أجرِهِم وحسنَ جزائِهِم؛ فقال: ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون: 10-11]. ذلك يا عبادَ اللهِ فضلُ اللهِ يُؤتِيهِ مَنْ يشاءُ، واللهُ ذو الفضلِ العظيمِ.

ومن صفاتِ المؤمنين أنَّهُم يوفونَ بعهدِ اللهِ ، ويؤدونَ حقَّهُ ويستقيمونَ على دينِهِ قولًا وعملًا وعقيدةً ولا ينقضونَ

الميثاقَ، بل يوفونَ بالمواثيقِ والعهودِ ، قال اللهُ تعالى :(وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ)( الرعد 21ـ 22)، فهُم يصلُون ما أمرَ اللهُ بهِ أنْ يوصلَ من الاستقامةِ على أمرِ اللهِ والإخلاصِ للهِ سبحانَهُ وتعالى واتباعِ سنةِ الرسولِ صلى اللهُ عليه وسلم، وهم يُتْبِعُونَ الإيمانَ بالعملِ ومن ذلك برِّ الوالدين وصلةِ الرحمِ ويخشون ربَّهُم الخشيةَ التي تُعِينُهُم على طاعةِ اللهِ وتَمنعُهُم من معاصي اللهِ.

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ علي خاتمِ الأنبياءِ والمرسلين، سيدِنَا محمدٍ (صلي اللهُ عليه وسلم)، وعلي آلِهِ وصحبِهِ أجمعين

ثالثاً: أثرُ الإيمانِ علي الفردِ والمجتمعِ

1ـ أثرُ الإيمانِ في حياةِ الفردِ

يُبْعِدُ الإيمانُ باللهِ الإنسانَ عن ارتكابِ المعاصي والآثامِ خوفًا من غضبِ اللهِ وعقابِهِ، يَطْمَئِنُّ القلبُ وتهدأُ النّفسُ، فيشعرُ المسلمُ بالرّاحةِ تملأُ قلبَهُ وروحَهُ، ويجعلُ المسلمَ يقتدي برسولِ اللهِ وبسيرتِهِ النبويّةِ العطرةِ، فيكونُ الرسولُ صلى اللهُ عليه وسلم قدوتَهُ في كلِّ أعمالِهِ وخطواتِهِ التي يخطوهَا، ويُعَلِّمُ الفردَ اللجوءَ إلى اللهِ في السّراءِ والضّراءِ، كما يعلمُهُ حمدَ اللهِ وشكرَهُ في كلِّ أمورِهِ خيرِهَا وشرِّهَا، ويُعَلِّمُ المسلمَ الثباتَ في مواجهةِ المحنِ والشدائدِ، ويُعلمُ المسلمَ الصبرَ عندَ الابتلاءاتِ والمصائبِ.

2ـ للإيمانِ عدةُ آثارٍ إيجابيةٍ تعودُ على المجتمعِ، من أهمِّهَا:

يجعلُ الأفرادَ ملتزمين بالأخلاقِ الحميدةِ كالصّدقِ والأمانةِ في تعاملاتِهِم، مما يُقوي الرّوابطَ بين أبناءِ المجتمعِ الواحدِ، فيكونون أفرادًا متحابين متعاونيين، ويجعلُ من المسلمِ نبراسًا للخيرِ في مجتمعِهِ فيأمرُ بالمعروفِ وينهى عن المنكرِ، ويحبُّ لأخيهِ ما يحبُّ لنفسِهِ، ويقدمُ النصيحةَ لأبناءِ مجتمعِهِ، ويقوّي المجتمعاتِ والأسرَ، وتنهضُ في كافةِ المجالاتِ الدّينيّةِ والاقتصاديّةِ والعلميّةِ، ويجعلُ الأفرادَ مخلصين لوطنِهِم، مستعدين للدّفاعِ عنه بأرواحِهِم ودمائِهِم؛ لأنّ ذلك من أخلاقِ الإسلامِ، فيعمُّ الأمنُ والاستقرارُ في المجتمعاتِ والدّولِ. يُبعدُ المجتمعَ عن الآفاتِ الاجتماعيّةِ كالسرقةِ والقتلِ والزنا، ويُخلّصُ المجتمعَ منها. اللهم حببْ إلينا الإيمانَ وزينْهُ في قلوبِنَا

خطبة الجمعة ”صفات المؤمنين القرآن الكريم”