18 أبريل 2024 11:04 9 شوال 1445
بوابة الكلمة رئيس التحرير محمد خضر
ثقافة وفن

د. عبدالعزيز آدم يكتب: قلم مغترب .. مثال فذ لرقي الكلمة ورصانة الفكر

بوابة الكلمة

صدر حديثًا للكاتبة العراقية الشابة مينا راضي كاتبها الجديد "قلم مغترب"، عن دار ببلومانيا للنشر، وهو عبارة عن نصوص أدبية كتبت بطريقة أنيقة راقية تحمل في طياتها مشاعر متراكبة تجمع بين الحنين للوطن وقسوة الغربة عن النفس قبل أن تكون عن الوطن. الجديد في هذا السرد المبدع هو أناقة الكلمة وقوتها في توصيل مشاعر الكاتبة، فنحن هنا أمام كاتبة فذة لا تقل قيمة عن أعلام الكتاب، وتبشر بمستقبل واعد للنهوض بمستوى الذوق والابداع في الأدب العربي. وعلى الرغم من أن هذه الكاتبة الشابة مازالت في بداية الطريق ولكن عند قراءة نصوصها الأدبية تشعر بقوة أنك أمام كاتبة مخضرمة متمرسة تتقن العربية بإعجاز عجيب وتغوص في أغوارها العمية لتصل إلى كنوزها الدفينة التي تمتعنا مع كل كلمة نقرأها متراصة متناسقة كحبات عقد متسق من لؤلؤ نادر يأخذنا بروعة إلى عالم تلك الكاتبة بغموضه وأوجاعه وآلامه وآماله. فلا تخلو حروفها من مشاعر التحدي والأمل برغم تلك القسوة وذلك الحنين للعودة إلى الوطن داخل النفس المغتربة عن روح الكاتبة وكيانها.
إنها رحلة البحث عن الذات والتعمق في مجاهل النفس للوصول لأسباب الحياة والهدف والرسالة من وجودنا والقيمة التي نبحث عنها للشعور بمعنى وجمال الحياة ذاتها.
إنني مأخوذ بهذه النصوص من أول كلمة، فحين تمعنت في الإهداء مثلًا:
"… إلى أولائك الطافين على أسطح الأوطان .. بينا تنطلق من أعماقهم .. صرخات مغترب غريق" ..
كلمات في غاية العمق تعبر بروعة عن الفارق الخطير بين ما يرانا الناس عليه وبين ما نعانيه في الحقيقة .. مفارقة بين الطفو الظاهر والغرق الباطن .. بين سكون المغترب الظاهر وصرخاته الدفينه في قاع وجدانه.
وتستمر الكاتبة في إبداع متقن لتعرفنا في أحد تلك النصوص ما هو سبب الكتابة في رأيها في نصها المبدع "لماذا نكتب" لتضع لنا عشرات الأجوبة أهمها أن هذه الكتابة هي ثورة على المحيط الأصم وهي وسيلة لاستخراج الجمال من صلب الاعتيادية وهو ثورة على الملل للوصول لعمق الذات واكتشاف عن أنفسنا من جديد. عبارات في غاية العمق وفلسفة جديدة للبحث عن الذات في مجاهل واقع مؤلم.
وفي نص مبدع آخر "انتماء" تبدأه الكاتبة بالحديث عن قيمة الأشياء، فمهما كانت بسيطة في أعين المحيطين بنا ولكنها تكتسب قيمتها من نجاحها في استئصالنا من ذواتنا، وتصفها وكأنها شخوص تنادينا للخروج من راتبة الواقع إلى مشاعر ثائرة متمردة على ما هو مألوف، كلما رأت أو سمعت أي شيء يتعلق بوطنها مهما كانت بساطته. ووصفها لتلك الحالة الفريدة التي تقف لديها حروف اللغة عاجزة عن التعبير عنها بالدرجة التي تشعرها الكاتبة. لقد أخذتنا ببراعة إلى عالمها السحري الموجع ووصفت مشاعرها النفسية والعاطفية نحو الوطن ببراعة عجيبة بين فقدان الهوية وصرخات الغريق في أعماق الغربة ورسمت مشاهد مبدعة تعبر فيها عن الضجيج الذي مازال يحفزها على تخريج كل تلك الطاقة العجيبة في نصوص مبدعة. ولا يتسع المجال الحديث عن المزيد النصوص ولكن هذا الكتاب يحتوي على ما يربو عن الثلاثين نصًا، جميعها تحمل فكرة فريدة ورسالة لا تقل روعة عما سردته بالتحليل سلفًا. من نص إلى نص ومن حالة إلى حالة تنضج الفكرة وتتضح الرسالة ونعيش العمق والإبداع في أبهى صوره.

شكرًا للكاتبة العراقية مينا راضي على هذا الإصدار المبدع الممتع على ما فيه من مشاعر صادقة متقدة تخاطب عقول وقلوب المغتربين عن أوطانهم وأنفسهم والمحبين لأوطانهم والباحثين عن ذاتهم .. بداية أكثر من رائعة وكتاب يستحق القراءة والثناء عن جدارة.

د. عبدالعزيز آدم يكتب قلم مغترب مثال فذ لرقي الكلمة ورصانة الفكر